المال الذي تملكه لا يعكس مقدار ذكائك أو اجتهادك. والثروة التي تحلم دوما بجمعها ليست كما تبدو لك. أصبح أغلب الناس اليوم مصابين بمتلازمة الميتومونيا، حيث يحلمون بالحصول على حقيبة مليئة بالنقود تجعل حياتهم أفضل. في هذا المقال ستتعرف كيف تفهم معنى النقود، وكيف تجعلها وسيلة لا هدفا.
وقت القراءة المتوقع: 10 دقائق.
أ. فهم معنى النقود
لو فكرت في موضوع النقود كأنك كائن فضائي لا يعرف المجتمع البشري، فستستغرب حتما من لهفة الناس على جمع بعض الأوراق الملونة.
ولأعدت التفكير أصلا في مسلمات غير صحيحة تؤمن بها في أعماق نفسك ولم يخبرك بها أحد.
1. هناك فرق بين الرزق والارتزاق
حتى نكون موضوعيين قدر الإمكان، ولا نُدخل الدين المُقدس في كل شيء غيره، سنحاول تعريف معاني الرزق والارتزاق:
- الرزق : هو كل ما تحصل عليه من صحة وعلاقات وطعام ومأوى وحب وأمان الخ.
- الارتزاق : هو كل ما تقوم به لتحصيل الرزق من عمل ونشاط اجتماعي وتدريب واستثمار الخ.
يعتقد الناس أن على قدر الارتزاق يكون الرزق، وهذا غير صحيح بكل بساطة، لأن الحياة غير عادلة.
قد تعمل طول حياتك، ولا تستطيع جمع ما يجمعه مغني في حفل واحد، فهل يعني أنه اجتهد أكثر منك؟
بالطبع لا، كل ما في الأمر أن الرزق والارتزاق ليسا مُقترنين بعلاقة سببية مباشرة، بل هي علاقة تأثير طفيفة.
مثال: التعلم والمعرفة ليسا مُرتبطين بعلاقة سببية، بل بينهما تأثير بسيط. لذلك قد تجد شخصا دون شهادات جامعية يتفوق على أصحاب أعلى الشهادات.
كذلك يعتقد الناس أن النجاح يكون نتيجة للاجتهاد، والفشل نتيجة للكسل.
وهذا غير صحيح، فالشخص قد ينجح في القيام بأمر ما بضربة حظ، أو بفضل مساعدة غيره له، أو لأنه لم يكن يمكن أن يفشل أصلا.
2. الناس لا ينفقون مالهم بعقلانية
حاول أن تتقمص شخصية الفضائي مرة أخرى، ودون كل نفقاتك لأسبوع واحد، ثم راجعها.
هل تظن أنك تنفق مالك بطريقة عقلانية؟
على الأرجح أنت كأغلب الناس، تُنفق مالك بدواع نفسية وليس بسبب تفكير عقلاني منطقي.
ولفهم سبب دفن الناس أنفسهم في الديون، عليك دراسة تاريخ البشر الحاف بالجشع والخوف والطمع.
الناس ينفقون اليوم، كل ما يملكون على أمل أن يأتي الغد بالثراء والسعادة والحظ الطيب.
هم لا يفعلون ذلك لأنهم يريدون الغرق في الدين، بل لأنهم يخلطون بين مشاعرهم المكبوتة والأرقام.
للأسف، عليك أن تُدرب نفسك طويلا حتى تتخلص من الإنفاق المرضي والعادات السيئة كالتبضع لعلاج الضغط النفسي.
رغم اعتبار البشر أنفسهم كائنات ذكية إلا أنهم يحاولون علاج شعورهم بالكبت والحزن والغضب عبر شراء أشياء لا يحتاجونها لإبهار ناس لا يهتمون لأمرهم.
3. النجاة ليست مهمة صعبة
لنفكر بعقلانية، أنت لا تحتاج الكثير من المال حتى تنجو.
لا أحد سيطلب منك أن تشتري جهاز تلفاز كبير، أو أن تأكل غرائب الطعام وباهضها.
كل ما عليك هو أن تكون نفقاتك أقل من مداخيلك.
لكن بسبب الأسباب النفسية التي ذكرناها أعلاه، ستحاول دوما أن تُنفق كل دولار في محفظتك قبل نهاية الشهر.
وهذا التصرف سيجعلك بقية حياتك عبدا ينتظر نهاية الشهر.
جرب أن تبدأ بـ تقليل مصاريف البيت كخطوة أولى واكتشف أكثر من 50 حيلة للحد من هدر مالك.
ثم حاول أن تدخر بعض المال حتى تنتصر على نفسك.
بعض الناس يدخرون أموالهم في حسابات مُقفلة حتى يمنعوا أنفسهم من إنفاق المبلغ الذي كانوا يفكرون في ادخاره.
هم فهموا نصف القصة، لكنهم لم يستطيعوا أن يفهموا بقيتها.
عليك أنت أن تدخر المال وأنت واع بذلك، وأن تعرف أنك لن تُنفق المال حتى لو كان في جيب سُترتك لأنك تحررت من أوهامك ومخاوفك وقلقك.
عليك أن تعرف سبب إنفاقك وأن تُعالجه حتى تستطيع تجاوز المُشكلة، لا أن تخفي المال بعيدا عنك فتُعمق جراحك.
هل تحاول أن تُبهر شخصا ما؟ أم تشعر أنك لا تتلقى المعاملة الجيدة؟
هل تظن أنك تستحق مستوى عيش أفضل من الذي تعيشه؟
حاول أن تُجيب عن هذه الأسئلة، أو حتى أن تتلقى علاجا نفسيا حتى لا تفرّط في كل أموالك بسبب مرض نفسي يمكن علاجه.
ب. صناعة الثروة
لتكسب المال عليك أنت تنجح في جمعه وتنميته والحفاظ عليه:
1. جمع المال
كأغلب البشر، ربما تظن أنك لا تجني الكثير من المال وأن عليك العمل على جمع المزيد منه.
هذا بالتأكيد غير دقيق، فأنت تجني مالا وفيرا، لكنك لا تقوده للطريق الصحيح، لكن عليك أن تعمل بجد أكثر لجمع المزي منه.
الناس يتذكرون كم يكسبون، ولا يتذكرون في ما ينفقون أموالهم.
لذلك يريدون أن يزيدو من مداخيلهم حتى حتى يغطوا مصاريفهم التي لا يعرفون عنها شيئا.
يمكنك لو دققت النظر أن تلاحظ أن ما تُنفقه خلال العام أكبر بكثير من دخلك الذي تعرفه.
فإذا كنت موظفا بأجر ثابت، ستفكر فقط في المال الذي تجمعه من وظيفتك، لكن لا تستطيع أن ترى المداخيل الأخرى التي تصب في ميزانيتك كـ :
- الهدايا.
- العروض والخصومات.
- الجوائز والعلاوات.
- مساهمة أفراد أسرتك في المصاريف.
- المداخيل الأخرى من عمل إضافي أو مشروع صغير تملك.
- الخ.
لذلك عليك توفير المال قدر الإمكان ويمكنك زيارة مقالة كيف أصبح غنيا لمعرفة طرق التوفير والادخار.
2. تنمية المال
المال الذي تضعه في حسابك البنكي أو تحت وسادتك لا يملك قيمة حقيقية.
عندما تكون في قرية نائية، لن يعطيك أي أحد من القرويين عشاءه مقابل حفنة من الدولارات، عليك تقديم منفعة حقيقية له.
لكن بسبب تعقد الحياة في المدن والتجمعات الحضرية، أصبح للمال قيمة معنوية لكنها تتضاءل دائما بسبب نسبة التضخم.
سعر أونصة الذهب مثلا عام 2014 كان 1000 دولار، عام 2023 سعر الأونصة 1900 دولار.
يعني عليك أن تدفع ضعف كمية النقود للحصول على نفس الشيء (قيمة الذهب أيضا تتغير حسب حالة السوق).
لذلك عليك أن تعمل على التفكير في طريقة تنمية أموالك عبر وضعها في مشاريع تخلق المنفعة.
هذه المرحلة أصعب مرحلة، فعليك أن تجد مجالا يمكنك فهمه وربح المال منه وإعادته مرار وتكرارا.
مثلا: كل ما يقوم به التجار هو شراء منتجات مطلوبة في السوق ويضيفون على سعرها تكاليف نقلها وعرضها وربحهم ثم يكررون الأمر.
3. الحفاظ على المال
توجد مئات الطرق لجمع المال، لكن الطريقة الوحيدة للحفاظ عليه هي التوفير والريبة.
الحفاظ على أموالك في حسابك البنكي ليس مهمة سهلة على الإطلاق.
الحصول على الأموال والحفاظ عليها مهارتان مختلفتان تماما فالشخص القادر على كسبه ليس نفسه القادر على المحافظة عليه:
- لتجمع الأموال عليك التحلي بالشجاعة والمخاطرة والتفاؤل.
- لتحافظ على ثروتك الصغيرة عليك التحلي بالحذر والتشاؤم والتريث.
لذلك من الصعب جدا أن تُقنع رجلا ثريا أن يستثمر أمواله في مشاريع صغيرة بمخاطرة عالية، فهو ليس ثريا من عدم.
القابض على أمواله كالقابض على الجمر، فهو يدفع رغبات الشراء والإنفاق ويكبح غرائزه الحيوانية لأجل هدف أسمى.
ج. المال وسيلة رائعة
من الصعب أن نخفي أثر الثراء لذلك أصبح هدفا في حد ذاته عند الكثيرين.
1. خدمة الناس لك
عندما تملك المبلغ الكافي من النقود في حسابك البنكي، فستكون حياتك أسهل بكل تأكيد.
قال الحصين بن المنذر: “وددت أن لي مثل أحد ذهبا, ولا أنتفع به بقيراط”.
قيل: “فما تصنع به؟”.
قال: “لكثرة من يخدمني عليه”.
الناس يجاملون الأثرياء ويحاولون التودد لهم بالهدايا والنقود على أمل الاستفادة من ثروتهم.
لكنهم لو يعرفون كيف يحمي الأثرياء أموالهم لما حاولوا ذلك على الإطلاق.
بسبب محاولات حفظ المال، اتخذ الأثرياء الصناديق والأبواب وكلمات السر والخزانات الفولاذية وكل ما تعرف ولا تعرف من تقنيات الأمان.
2. وهم التميز
في السوق، لكما نقصت بضاعة ما وزاد الطلب عليها، أصبحت أغلى حتى وإن كانت لا قيمة حقيقية لها.
لذلك تجد بعض الناس يتنافسون على شراء اللوحات الفنية العبثية بأموال طائلة فقط بسبب ارتفاع الطلب وقلة العرض.
نفس الشيء بالنسبة لفكرة الثراء.
كلما زادت رغبة الناس في الثراء كلما اعتقد الناس أنهم (الأثرياء) متميزون.
لذلك تجد أن كل شخص نجح في جمع مبلغ مالي كبير إلا وأصبح محط أنظار الناس والصحف العالمية والمجلات المحلية.
قام شاب نرويجي بشراء 5000 حبة بيتكوين بـ 26 دولارا ليصبح من الأثرياء، بل وأصبح يقدم دورات في الاستثمار وكيفية النجاح.
يعتقد الناس أن الأثرياء موهوبون أو أذكياء بشكل خارق أو مجتهدون في عملهم، وهذا غير صحيح ببساطة.
لكن هذا يجعل الثراء ممتعا أكثر، لأنه يجعل الأثرياء يكسبون تقدير الناس لهم، ويحيطهم بهالة من القداسة والتميز.
3. صلاح الدنيا والدين
الناس في الغالب يعتقدون أن المال سبب كل الخطايا، لذلك يحتقرونه ويبالغون في ذمه.
لكن حتى نكون موضوعيين، المال مفيد أيضا لقضاء مصالحك الدنيوية وحتى الدينية.
ركنان من أركان الإسلام لا يمكن للفقراء تحقيقها: هما الزكاة والحج.
بالطبع لن ينقص إسلامك إذا كنت فقيرا، لكن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
الأثرياء يجدون فرصا أكثر للتصرف بأخلاق عالية وممارسة الشعائر الدينية والتصدق على المساكين الخ.
أما الفقراء فقد تضطرهم الحاجة للسرقة أو عدم إتقان العمل أو التذلل وإهمال العبادات.
لذلك يروى عن علي بن أبي طالب أنه قال: “لو كان الفقر رجلا لقتلته”.
د. الثروة هدف سيء
لا تحاول جمع ثروة دون هدف سوى جمعها، فهذا أسوء عمل قد تقوم به في حياتك. اجمع المال لسبب وأنفقه لسبب حتى لا تُصبح من جماعة الجمع والمنع كما سماهم الجاحظ.
1. وهم الإشباع
تعطي الثروة الناس فرصة حقيقية حتى يعرفوا أن المال لا يصنع السعادة.
البسطاء عندما يقعون ضحية نوع من أنواع التسويق يحلمون ويتحسرون.
مثلا: عندما ترى إشهارا لسيارة فارهة، تعتقد أنك لو كنت ثريا بما يكفي، لكنت شريت السيارة وشعرت بالإشباع.
لكن في الحقيقة:
الثروة هي الأموال التي لم تُنفقها!
فكلما أنفقت من ثروتك التي تعطيك وهم الإشباع، نقص ذلك الوهم، فكأنك تأخذ من “مصدر سعادتك” حتى تشعر بالسعادة.
فلا يوجد رقم تصل عنده لتقول الآن أنا أشعر بالإشباع ولا أحتاج مالا إضافيا.
بلغ أثرياء العالم مرحلة من الجنون أنهم يحتاجون لإنفاق ترليونات الدولارات لصناعة الأسلحة النووية وتطوير خطط العبثية التي ستنهي حياتنا.
لذلك لا يمكن بحال أن تقول سأسعد بأول مليون دولار أو ثاني مليون.
يكفي فقط أن تذكر أنك تحتاج من 3 إلى 600 مليود دولار فقط لتكسب طائرتك الخاصة.
الخلاصة: لا وجود لإشباع مالي يمكنك الوصول له عندما تصبح ثريا، ستبقى نفس الشخص بنفس الأفكار وسيبقى شعورك الدائم أنك تحتاج المزيد من المال.
2. الثراء لا يعني المنفعة
يعتقد أغلب الناس أن امتلاك المال في حسابك البنكي يساوي المنفعة، لكنه لا يساويها على الإطلاق.
لذلك يسخر رواد الأعمال من الناس الذين يقومون بإنجاز مشاريع بهدف “جمع المال”.
الثورة هي مجرد أرقام في حسابك البنكي أو كتلة معدنية من الذهب، لا تعالج المرضى ولا تطعم الجياع ولا تبني المدارس.
في الأزمات تظهر القيمة الحقيقية للثروة، فالأوراق الملونة التي تعود الناس على العمل ساعات طويلة لجمعها تُصبح دون قيمة.
هذا لا يعني بالطبع أن الأموال غير مفيدة، لكن يعني أن عليك فهم سبب جمعك أو إنفاقك للمال الذي تملكه أو يمر بين يديك.
لكل منا أدفاق مالية والثراء في العادة يكون عبر التقتير في قنوات الإنفاق والزيادة في قنوات المداخيل.
لكن ما هي الفائدة من جمع مبلغ مالي كبير؟
المال لن يجعل الناس يحترمونك أو يقدرونك، لكن سيجعلهم يطمعون فيك.
المال لن يجعلك قادرا على تناول 10 وجبات يوميا، ستتناول نفس الوجبات وربما نفس الطعام الذي تأكله وأنت فقير لأن الناس لا يحبون تغيير عاداتهم الغذائية.
لكنك لن تستطيع أن تجعل أهلك أثرياء بمجرد امتلاكك للمال، ولن تستطيع جعل مدينتك أفضل بمجرد امتلاكك للمال.
تحقيق المنفعة يكون عبر طرق أخرى لا دخل للمال فيها.
3. المال لن يحقق أحلامك
الفتاة التي تحبها لن تتزوجك فقط لأنك غني، هذه خرافة من الخرافات التي عليك التوقف عن تصديقها.
إلا إذا كنت تحب فتاة ستتزوج الشخص الأغنى فقط، وهكذا ليس عليك أن تكون غنيا، بل عليك أن تكون الأغنى فقط من أجل إرضاء فتاة تعبد المال.
المال الوفير أيضا لن يجعل والديك فخورين بك، ففخرهما سيكون لأسباب مختلفة تماما عن مقدار المال الذي تملكه.
ربما تريد التفاخر بما تملك من مال، وهذا أمر يجيد المال فعل، لكنه لن يجعلك فخورا. فهناك فرق كبير بين التبجح والشعور بالفخر الحقيقي.
المال لن يجعلك تكسب أصدقاء حقيقيين مستعدين لفدائك والدفاع عنك ومنعك من الوقوع في الخطئية وانتشالك منها إذا اشترط الأمر.
لكنه سيجعل الذئاب والضباع تحيط بك من كل جانب، ينتظرون غفلة منك حتى ينهشوا من ثروتك.
الثروة لن توفر لك الصحة الوفيرة لكنها تستطيع توفير العلاج.
إنها لا تستطيع أن توفر دفء الأسرة، لكنها توفر لك دفء السخان الكهربائي.
وهي لا تجعلك تفهم الحياة، لكنها توفر لك أثمن الكتب والمراجع العلمية إذا كنت تملك الوقت والجهد لقراءتها.
هي لا تحل المشاكل، لكنها تعطيك فرصة لإخفاء المشاكل أو نسيانها بطرق أخرى.
“بالمال يمكنك شراء ساعة، لا الوقت.
بالمال تستطيع شراء سرير، لا الراحة.
بالمال تستطيع شراء الطعام، لا الشهية.
بالمال يمكنك شراء التأمين، لا الأمان.”
الخلاصة: لا تعمل من أجل تحقيق الثروة، بل اعمل من أجل تحقيق المنفعة لك وللناس.