حقيقة السحر – جاء الإسلام ليُحرر العقول من قيود العادات البالية والخزعبلات التي شدت البشر نحو التخلف والفقر والخوف لآلاف السنين. لكن باسم الإسلام، أمسى الناس يصنعون في مخيلاتهم قيودا جديدة أشد وطأة وأقوى من سابقاتها في عصور الظلمات. وبينما تسعى الدول الأكثر تقدما لغزو المريخ، مازال أهلنا يصارعون الشياطين ويحاربون مردة الجن ويُسممون بعضهم البعض بالسحر والخزعبلات.
لنكن واضحين من البداية:
- السحر بمعنى خفة اليد والتخييل مثل السحر الموجود في السيرك معروف وموجود
- السحر بالمعنى الذي يتخيله العامة من ربط وجلب للحبيب وغيره، ليس موجودا إلا في كوابيسهم وهلوساتهم.
في هذا العدد سنعطي الأدلة العلمية والمنطقية التي تدحض خرافات السحر. وسنبين لماذا يجب عليك أن تحرر عقلك من هذه الخرافات. فهي حرفيا تدمر بذرة التفكير المنطقي عندك.
وقت القراءة المتوقع: 20 دقيقة.
- ما هو السحر الذي نعنيه
- موسى وسحرة فرعون
- الدليل هو غياب الدليل
- تحد قيمته مليون دولار
- السحر في الإسلام
- العلاقة السببية
- لماذا علينا أن لا نؤمن بالسحر؟
1. حقيقة السحر : ما هو السحر الذي نعنيه
السحر الذي نرفض وجوده هو السحر الخرافي الذي اتهمت به السيدات بين 1450 و 1700 في أوروبا، والذي عرف في ما بعد بـ مطاردة الساحرات.
وهو كل التفسيرات العجائبية التي يُفسر بها الناس الظواهر الطبيعية التي قد تبدو خارقة للطبيعة بالنسبة لهم.
وهو كل عمليات تسخير الجن و/أو التعاون مع الشياطين وتصوير علاقة سببية بينها وبين أحداث في العالم الحقيقي.
يصعب تعريف “السحر الخرافي” بطريقة منهجية، لأن كل موروث أسطوري يصوره بطريقته الخاصة. فهو:
- عند المصريين القدامى تعاويذ مرتبطة بالأهرامات والنيل.
- عند الهندوس طقوس دينية مقدسة ورؤية للمستقبل
- عند اليونانيين القدماء قدرات خارقة تشفي المرضى وهبات من الآلهة.
السحر اليوم
اليوم، معنى السحر يختلف من مكان لآخر:
- في الولايات المتحدة، الساحر يستطيع التواصل مع الموتى وإبلاغ سلامهم للأحياء.
- في المكسيك هو طريقة للقيام بعمليات جراحية دون طبيب.
- في العالم العربي سبب للضعف الجنسي عند الرجال (الربط) ومنع الصبايا من الزواج.
الاختلافات في تحديد مفهوم السحر بين البشر، هو أول إشارة لوجود خلل ما في هذه الفكرة التي نريد فهمها والتأكد من وجودها.
وإشارة لتعدد المفاهيم أو كون المفهوم الأصلي مجرد خرافة أو وهم منتشر بين الناس كغيره من الخرافات.
سوق السحر اليوم يزخر بالعديد من المنتجات. ويصعب تحديد كمية الأموال التي يتم تداولها تحت مظلة هذا المفهوم. لكن يمكن أن نذكر التفاصيل التالية:
سوق الأبراج والتنجيم: في الولايات المتحدة، مستخدمو تطبيقات التنجيم الـ 10 الأولى، أنفقوا 39.7 مليون دولار.
هذا دون أن نذكر الصحف والمجلات التي تنشر هذا الهراء في أعمدة قارة على طول العام. ودون أن نذكر خدمات التنجيم المباشرة وعلى الهاتف وعلى قارعة الطرقات ومحلات الدجل والتحيل.
سوق السحر: تبلغ أسعار التعويذات في سوق السحر المغربي حوالي الـ 100 دولار. وهي في العادة تعويذات وماء مبارك ومحاولات لعلاج الأمراض النفسية والجسدية.
سوق الوسطاء الروحانيين: يبلغ سوق الوساطة الروحانية في الولايات المتحدة 2 مليار دولار. حيث يؤمن 4 من كل 10 أمريكيين بالوسطاء القادرين على التواصل مع الموتى ومعرفة الأرواح التي تناسخت عنها أرواح زبائنهم.
ملاحظة: يصعب حصر الأموال التي يتم إنفاقها سنويا في أعمال الشعوذة لأنها في أغلب الأحيان تكون يدا ليد وبعيدة عن المراقبة أو العقود القانونية.
2. حقيقة السحر : موسى وسحرة فرعون
نقل القرآن والعهد القديم (سفر الخروج) قصة المواجهة بين سحرة فرعون وموسى.
هذه القصة هامة جدا لأنها تنقل مواجهة بين المُعجزة الإلاهية والسحر البشري:
- النبي موسى يُمثل المعجزة الإلاهية.
- سحرة فرعون يمثلون أعتى ما وصل له البشر من مهارة في السحر.
كانت الغلبة في نهاية القصة للمعجزة الإلاهية.
رغم أن القصة تؤكد أن البشر غير قادرين على القيام بالمعجزات، إلا أن العوام حفظوا من القصة شيئا واحدا: البشر قادرون على خرق قوانين الطبيعة بما يُعرف بالسحر!
القصة تقول ببساطة:
1. اتهم فرعون موسى بالسحر ونظم تحديا بين سحرته وموسى.
2. اجتمع الناس لمشاهدة التحدي.
3. ألقى السحرة عصيهم وحبالهم فإذا هي تتحرك رغم أنها جمادات.
4. ألقى موسى عصاه فالتقفت كل ما ألقوا.
5. خر السحرة ساجدين مقرين أن موسى نبي وليس ساحرا.
كل القصة دليل على استحالة قيام البشر بالمعجزات، أو خرق قوانين الطبيعة على عكس الأنبياء الذين يعطيهم الخالق القدرة على ذلك.
أ. سجود السحرة
لو كان السحرة فعلا يقومون بأمور خارقة للطبيعة كما يظن الناس، لما استغربوا أن يقوم موسى بعمل خارق للطبيعة ولما آمنوا به.
يعرف سحرة فرعون أنهم يقومون بخزعبلات لإبهار العوام، ولا يظنون مطلقا أنهم يخرقون قوانين الطبيعة.
لما رأى السحرة موسى يخرق قوانين الطبيعة لم يشكوا البتة أنه ساحر، لأنهم يعرفون أن السحر ماهو إلا تخييل وحيل.
لذلك آمنوا إيمانا قطعيا أنه نبي وقالوا “آمنا برب العالمين“ [الشعراء:47]
لأنهم “سحروا أعين الناس واسترهبوهم” [الأعراف:116]
ب. حيلة كيميائية
نقل عدد من المفسرين مُركبا كيميائيا عند ذكر سحرة فرعون هو الزئبق.
“يُروى: أنهم لطخوها بالزئبق، فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت. فخيلت ذلك.”
الزمخشري – الكشاف
لكن الناس قديما وحتى حديثا لا يعرفون العلاقة بين العصي وهذه المادة. ولم يعرفوا تجربة أفعى فرعون (The Pharaoh’s Serpent Experiment).
هذه التجربة الكيميائية البسيطة تعتمد أساسا على الزئبق، وتمكن من “صناعة عصى تتحرك كالأفعى وتخرج تقريبا من العدم”.
وبالتأكيد ستكون هذه الحيلة ضربا من السحر الأسود في عيون العوام في عصر موسى، وربما حتى في عصرنا اليوم.
الأمر الأصعب، أن الناس اليوم مازالوا يستغربون كيف أقحم المفسرون الزئبق في قصة موسى.
فهم يريدون أن يطمئنوا لوجود سحر وسحرة وعفاريت، حتى لا يضطروا لإعادة بناء عالم الأفكار الذي طالما آمنوا به واطمأنوا له.
ج. قتل السحرة دليل آخر
رغم قدراتهم الخرافية، قتل جنود فرعون السحرة الذين آمنوا بموسى، ولم يستطيع هؤلاء السحرة استعمال قدراتهم المزعومة لإنقاذ أرواحهم.
فهل يستطيع السحرة تحريك العصي والحبال، ولا يستطيعون النجاة من القتل؟
السحرة كانوا مجرد مشعوذين يحاولون إبهار الناس عبر حيلهم، كما يفعل لاعبو الخفة في العروض أو في السيرك.
هكذا إذن، كانت قصة أكبر سحرة عرفهم التاريخ. كانوا مجرد لاعبي خفة صدقوا بالمعجزة عندما رأوها.
د. عبثية المعجزة
لو كان السحرة قادرين على القيام بالمعجزات كتحريك الجمادات وجلب الرزق ومنع الزواج وعلاج الأمراض المستعصية، لكانت معجزات الأنبياء عبثية.
مصطلح المعجزة يفقد معناه أصلا إذا كان البشر قادرين على فعله. ولو قارنا بين معجزات الأنبياء وما يعتقده الناس في السحرة، لوجدنا أن السحر أقوى بكثير.
فهذا يعالج الأمراض المستعصية، وذلك يجلب الرزق وهذه تعرف المستقبل الخ. وهي معجزات أصعب بكثير من إخراج موسى ليده بيضاء.
فهل نؤمن بنبوة كل ساحر، أم نعتقد أن المعجزات التي أتت لتؤيد الأنبياء والرسل ما هي إلا أشياء بسيطة كان السحرة قادرين على القيام بها.
وأصلا لماذا لم يستعمل السحرة معجزاتهم لادعاء النبوة؟!
هـ. أعتى السحرة
لنتذكر أن المواجهة بين موسى وسحرة فرعون كانت مواجهة بين نبي وبين أعتى السحرة.
أي أن هؤلاء السحرة متفوقون على السحرة الذين يحاولون اليوم، بيع الوهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
هؤلاء السحرة الأقوياء الذين حكت الكتب المقدسة قصتهم كان أقصى ما يمكنهم فعله هو ادعاء تحريك بعض العصي والخيوط. فهل تظن فعلا أن “سحرة اليوم” قادرون على تسخير الجن وكشف المستور؟
العبرة من قصة موسى أن السحرة كانوا دجالين وأن على الناس تحرير عقولهم من هذا الوهم.
هؤلاء الدجالين صدقوا الحق لما شاهدوا خرق قوانين الطبيعة، لأنهم يعرفون جيدا أن السحر غير موجود.
لكن لسبب ما أصبحت القصة عن العوام، دليل على أن السحر حقيقة كونية.
3. حقيقة السحر : الدليل هو غياب الدليل
رغم كثرة الحكايات والخرافات التي تروي أعمال السحرة، إلا أن هذه الفئة من البشر غائبون عن الكتب العلمية والمجلات الأكاديمية.
مثلهم مثل آلهة الإغريق وأساطير الهند. فهل تقتصر أعمال السحرة على جمع المال من السذج؟
أم يمنعهم خجلهم من الوقوف أمام العدسات وإثبات قدراتهم الخارقة؟
في الحقيقة، يحاول الكثير من المؤمنين بالسحر حشر بقية الناس في الزاوية قائلين: “أثبتوا أن السحر غير موجود”.
إنهم بذلك يتناسون أنهم هم المطالبون بإثبات وجود السحر. فالبينة على من ادعى، والسحرة هم المطالبون بإثبات قدرتهم على خرق قوانين الطبيعة.
وبما أن المجتمع العلمي منذ بداية عصر الأنوار يفتقر لأي دليل حقيقي على امتلاك السحرة لهذه القدرة، يمكننا القول بكل موضوعية: “السحر غير موجود، أو نادر جدا بحيث لم يتم إيجاد أي دليل عليه”.
فبماذا نفسر إذن عمل ملايين الناس حول العالم في هذه الخزعبلات بداية بقراءة الفنجان، ووصولا للزعم بتغيير مستقبل الشعوب والدول؟
أفيون الشعوب
تُنفق مليارات الدولارات على السحرة والمنجمين والوسطاء الروحانيين، وفي المقابل لا نستطيع أن نجد لهم أي دليل مادي على قدراتهم الخاصة.
هذا الموضوع شبيه باستهلاك التبغ والمخدرات والكحول. فهو يوفر متعة قصيرة وجلسات شبيهة بجلسات الطبيب النفسي، أين يستطيع العميل الكلام بكل حرية عن أعماق رغباته ونزواته مقابل الشعور بأمل زائف.
أصعب ما في الحوارات مع المؤمنين بالسحر والشعوذة، أنهم لا يُميزون بين الأدلة الملموسة والحقائق العلمية ومقاطع الفيديو المفبركة والمقالات الرخيصة والاستدلال المنطقي.
الأمر الذي يجعل الحوار معهم عبثيا. فأنت تجدهم مرة يستدلون بنص ديني، ومرة بإحدى خرافات الجدات، وأخرى بشهادات حية لأشخاص لا يملكون أي حس نقدي.
هذه الفئة عادة ما تكون حاصلة على تعليم متوسط، ولم تملك فرصا حقيقية لنقد موروثها الثقافي والاجتماعي.
لذلك قد يعتبرون إنكار السحر ضربا من الكفر والزندقة والخروج عن الملة.
الظواهر الحقيقية تملك توثيقا مفصلا في الموسوعات الأكاديمية، وتُجرى عليها اختبارات دقيقة في المختبرات من طرف دكاترة وباحثين متخصصين،
أما السحر فلا نجد له أثرا إلا في الذاكرة الشعبية والموروث الثقافي والاجتماعي للحضارات القديمة.
وصل البشر لإثبات وجود الجسيمات دون الذرية، وإرسال مسابير تكتشف أطراف الكون المنظور.
لكن حسب بعض البشر، لا نستطيع إثبات جدوى وقياس أثر طقوس يقوم بها الكثير من البشر حول العالم.
وكلما وقع أحد السحرة في قبضة العلم، تراجع مريدوه وقالوا أن ذلك الساحر بالذات دجال. لكن يوجد حسب رأيهم سحرة حقيقيون يختفون في مكان ما في هذا الكوكب.
4. حقيقة السحر : تحد قيمته مليون دولار
العجوز جيمس راندي، كان ساحرا بالمعنى المنطقي، إذ مارس لعب الخفة على المسرح لإسعاد الجماهير.
لكنه اكتشف كيف يقوم لاعبو الخفة باستغلال سذاجة الناس وخوفهم ومرضهم لسلبهم أموالهم.
فقام بتنظيم تحد قيمته 10 آلاف دولار لكل شخص يستطيع أن يُثبت أنه قادر فعلا على خرق قوانين الطبيعة.
بعد ذلك تحول التحدي لـ مليون دولار، ولم ينجح أحد في الاختبار.
توقف التحدي منذ سنوات بسبب تدهور صحة راندي قبل وفاته. لكنه ترك علامة جلية في تاريخ السحرة.
كشف راندي مئات الخدع ولم ينجح أي متحيل في خداعه.
وترك إجابة واضحة للناس أن السحرة إما غير موجودين، أو لا يهتمون بجني مبلغ قيمته مليون دولار.
فإذا كان عندك أدنى احترام لعقلك، عليك التوقف فورا عن احترام الدجالين الذين يقدمون خدماتهم مقابل أي مبلغ مالي مهما كان. فهم لو كانوا مهتمين بجمع المال لحاولوا على الأقل كسب مليون دولار مع راندي.
التحديات
حاول ساحر مغربي تحدي جيمس، وكانت خسارته مدوية. لكن هل أثرت خسارته على أعماله في موطنه؟ نشك في ذلك.
من أشهر الدجالين الذين كشفهم راندي هو الساحر الإسرائيلي يوري جيلر والذي كان يمتلك مهارة ثني الملاعق بالتركيز!
في كتابه “الحقيقة حول يوري جيلر”، كتب راندي كيف ترك عدة فرص للساحر حتى ينقذ ماء وجهه.
لكن الساحر الشاب كان مُصرا على موقفه مؤمنا بقدراته.
بعد ذلك قدم راندي برنامجا تلفزيا استقبل فيه الدجالين من مختلف الأنواع. كل ما عليهم فعله هو إثبات قدراتهم الماورائية أمام عدسات الكميرا ليفوزوا بـ 100 آلاف دولار (10 آلاف دولار من جيب راندي الخاص، و90 ألف دولار من منظمي البرنامج).
استقبل البرنامج لاعبي ورق يزعمون قدرتهم على التنبؤ برقم ولون الورقات المقلوبة، ودجالين يزعمون أنهم قادرون على استشعار الماء تحت الأرض، وآخرين يستعملون أحجار الطاقة وحتى وسطاء روحانيين يزعمون أنهم قادرون على التواصل مع الموتى.
كلهم فشلوا في أبسط الاختبارات ويمكنكم الرجوع لحلقات البرنامج على يوتيوب. وكلهم أثبتوا أن القدرات الخارقة التي يتباهى بها الدجالون أمام الطيبين ليست سوى محض هراء.
بعد برنامج استكشاف القوى النفسية Exploring Psychic Powers، مر راندي لتحدي المليون دولار.
أراد أن يشجع السحرة المتمرسين من خوض التجربة. لكن كما في البرنامج التلفزي، لم تصمد القدرات الخارقة أمام التجربة العلمية.
كارلوس
في مستوى مختلف تماما، صنع راندي دجالا سماه كارلوس. كارلوس هذا كان أحد أصدقائه، وساعده على إقناع بعض الإعلاميين والصحفيين بأنه يملك قوى خارقة.
فانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم. وبعد مدة خرج راندي وكارلوس ليُخبروا الشعب الأمريكي أن كارلوس هو شخص عادي ودون قدرات خارقة، وأن كل ما حدث هو مجرد تجربة.
لكن حدث ما لم يتوقعه أحد، حيث رفض الكثيرون تصديق أن كارلوس إنسان عادي.
كشف راندي الكثير من المتحيلين حول العالم. لكنه لم يستطع إيقاف أعمالهم. بل واصلوا جمع المال وتكوين الثروات من السُذج.
فلا يوجد قانون يمنع تواصل الأحياء مع الموتى، أو يُجرم قراءة الطالع وتحليل الأبراج.
كل تلك الأموال التي تتنقل لجيوب الكذابين والمتحيلين تجعل مستقبل البشرية غامضا ومريبا.
ونحن في العالم العربي لسنا أفضل حالا من بقية بلدان العالم.
فرغم تحرير الإسلام لعقول البشر من أوهام الشرك والدجل، إلا أن الكثيرين مازالوا يقدمون رقابهم للمشعوذين والسحرة لسبب أو دون سبب.
يقول راندي أن الناس الذين يؤمنون بقدرات الدجالين على علاجهم، لا يمكن إقناعهم للأسف.
فهم يرون أن الدجال الذي يسرق أموالهم فرصة أخيرة أو القشة التي يتعلق بها الغارق.
لذلك لن يفكروا باستعمال عقلهم ولن يفكروا في تبعات تمويلهم للمتحيلين فحياتهم على المحك.
الذين يؤمنون دون دليل لا يمكن إقناعهم بالعقل
جميس راندي – ساحر كندي أمريكي.
5. حقيقة السحر : السحر في الإسلام
يزعم بعض الشيوخ أن السحر حقيقي لأنهم فهموا من بعض آيات القرآن وجوده وتأثيره على الناس. لكن هذا غير صحيح بالمرة. فلا يُشترط أن تؤمن بالسحر لتكون مسلما، فهو ليس من أركان الإيمان. كما أن الكثير من العلماء والشيوخ أقروا بأن السحر المذكور في القرآن ما هو إلا تخييل ولا تأثير له.
ورد مفهوم “السحر” في القرآن 59 مرة:
- 40 مرة يتهم فيها الكفار الأنبياء بالسحر
- 15 مرة لوصف سحرة فرعون
- 3 مرات في مجادلة الكفار
- مرة واحدة عن هاروت وماروت
وتفسير آية هاروت وماروت غير قطعي الدلالة ولا يفيد وجود سحر حقيقي. بل يحتمل معنى النميمة والوشاية والإفساد.
لذلك لا يمكن أن نعتبر أن القرآن يصرح بوجود السحر العجائبي الذي تؤمن به العوام والغوغاء.
علماء ينفون السحر
تنفي فرقة المعتزلة وجود السحر بل وذهبوا لأكثر من ذلك، حيث كفروا من يؤمن بوجوده.
كما نفى بعض علماء أهل السنة وجود السحر، ولم يعتبروه من شروط صحة الإيمان أو ركنا من أركان الإسلام بل “من مسائل الفروع الفقهية” كما قال محمد الطاهر بن عاشور.
محاولة إثبات السحر بالاعتماد على النصوص الدينية أمر لا يستقيم. فتأويل الكتب المقدسة والأحاديث والتراث بهدف فهم حقائق مادية ليس تصرفا منطقيا.
فإذا كنا نريد إثبات ظاهرة فلكية أو فيزيائية، نحتاج أن نخرج للعالم الحقيقي ونستعمل المنهج العلمي التجريبي.
من العبث أن نفتح تفاسير القدماء للبحث عن تفسيرات للعالم الحقيقي.
سحر الرسول
يستدل بعض الشيوخ المؤمنين بالسحر بحديث “سحر النبي” الوارد في صحيح البخاري.
ويقول القرآن “إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا“[الإسراء:47]. فأصبح كلام “الظالمين صحيحا” بفضل الحديث الصحيح!
رد الحديث “الصحيح” الكثير من العلماء المتقدمين كـ الجصاص وأبي بكر الأصم والرازي والمتأخرين كـ محمد عبده، ومحمد الطاهر بن عاشور والمراغي ومحمد الغزالي، بل ورده حتى بعض علماء السلفية كـ رشيد رضا.
فهل فقد كل من تقدموا مهاراتهم وفهمهم للدين؟ أم أن الأثر الثقافي قد يؤثر على المفسرين والرواة؟
كل من يعرف وزن الشيوخ المذكورين أعلاه لا يستطيع أن يزعم أن الإسلام جاء لإثبات السحر والخرافات.
إنما وُجد السحر في المرويات وفي بعض التفاسير بسبب اعتقاد الرواة والمفسرين بالسحر منذ البداية.
أما الرسالة المحمدية فهي بريئة من هذه المعتقدات البالية.
وكل ربط بين السحر والإسلام ما هو إلا افتراء على هذا الدين وتحميل له ما لا يحتمل.
القضاء والحدود
الفقهاء في الإسلام وإن ظن بعضهم بوجود السحر فهم أعقل من أن يردوا الحدود بادعاء السحر.
فإذا قال القاتل أو السارق أنه كان مسحورا لم يخلصه ذلك من الحكم، وإلا لأصبح ادعاء السحر أسهل طريقة للنجاة من كل الجرائم.
وقعت بعض الحوادث العبثية التي تم فيها إنقاذ بعض المذنبين بسبب ادعاء السحر، لكن الأحكام القضائية المترتبة عنها كانت محل شكوك واتهامات بالفساد.
عموما، الفقه الإسلامي أرقى من أن يقع في مثل هذه الخرافات، وأذكى من أن يأمر بهدر حقوق الناس بالاعتماد على “شبهة” ميتافيزيقية لا يمكن إثباتها على أرض الواقع.
لهذا يمكن القول بكل عقلانية أن السحر في الدين الإسلامي:
- ليس شرطا للإيمان
- ذكره في القرآن لم يصرح بالمعنى المنكر فيه
- فقه القضاء فيه لا يسقط الحدود بتعلة السحر
- أحاديث سحر النبي مختلف فيها
فلا يمكن بحال ربط هذا الدين بالسحر والشعوذة والخزعبلات.
إنما هي موروث ثقافي واجتماعي أدخله الشيوخ بقصد أو دون قصد في الدين الذي يؤمنون به.
بل وأصبح وسيلة لكسب المال منه عبر الرقية وتقديم الدروس والدورات حوله وكيفية إبطاله بالطرق “الشرعية”.
6. حقيقة السحر : العلاقة السببية
إثبات وجود علاقة سببية بين أمرين هو أمر بالغ الصعوبة.
أن نقول أن ارتفاع درجة الحرارة يسبب غليان الماء، أمر بديهي لكن إثباته يحتاج الكثير من العمل الأكاديمي والعلمي.
لذلك اختار البشر إثبات العلاقات السببية باستعمال منهجيات صارمة لا تترك مجالا للخطأ أو الصدفة.
في بعض الأحيان يتم إيهام المرضى أنهم حصلوا على علاج، لكن يتم تقديم دواء وهمي (دون تأثير) لهم.
بعض المرضى يُشفون من أمراضهم فعلا، والسبب بالتأكيد ليس الدواء الوهمي، بل عدة أسباب مُختلفة ربما يكون منهما شعورهم أنهم سيشفون قريبا وهذا ما يُعرف بأثر البلاسيبو.
لذلك عندما تقوم شركات صناعة الدواء بتجربة دواء جديد، يقسمون المرضى بطريقة عشوائية ويعطون بعضهم دواء وبعضهم دواء وهميا، ليُحيدوا الصدفة وأثر البلاسيبو عند قياس أثر الدواء.
النوسيبو
الأمر الأكثر إثارة، أن بعض الناس يعانون من آثار جانبية كالصداع والغثيان بسبب الدواء الوهمي الذي حصلوا عليه، وهذا يسمى النوسيبو.
فهل يقوم الدجالون بتحييد آثار البلاسيبو أم يستفديون منه ليثبتوا أنهم فعلا قادرون على علاج المستعصي من الأمراض؟
وهل يستفيدون من خوف الناس منهم ليملؤوهم بالشك والخوف حتى يعمل النوسيبو في صالحهم؟
غالبا، الدجالون لا يعرفون أصلا معنى العلاقات السببية بين الأحداث، كل ما يهمهم هو اكتساب المال والمكانة الاجتماعية من ضحاياهم.
لإثبات علاقة سببية بين الكلمات التي يتفوه بها أو يكتبها الساحر وبين تحقيق مُراده، نحتاج لإثبات:
أ. التناتجية (Reproducibility)
أي أننا نستطيع إعادة تطبيق نفس الخطوات لنصل لنفس النتيجة.
مثلا: عندما نخلط الملح في الماء المقطر في درجة حرارة الغرفة ونخلط الماء فإن الملح سيذوب في الماء بقيمة 35 غرام في كل 100 غرام من الماء.
يمكننا تكرار التجربة أكثر من مرة والتأكد من صحتها.
فهل يستطيع الساحر تكرار أعماله وتحقيق نفس النتائج؟
الإجابة ببساطة هي لا، لأنه لو كان للسحرة أي وصفة حقيقية لكانت قد حققت النجاح المطلوب وأصبحت دليلا على صدق السحر.
وكتب المشعوذين مليئة بالوصفات والحيل وكلها لا تنجح بتاتا أو تنجح بنسب ضعيفة لا تتجاوز نسب النجاح بالصدفة.
ب. مراجعة الأقران (Peer Review)
لا يمكن أن نُسلم بوجود ظاهرة حقيقية تكلم عنها شخص واحد، أو مجموعة أشخاص غير متخصصين.
مراجعة الأقران ضرورية لنقد الخبراء لعملهم.
والسحر للأسف لا يضمن أي شفافية في مشاركة نتائجه أو نقد الدجالين لعمل بعضهم البعض.
فمن الصعب أن تجد ساحرا يُخبرك أن طريقته في السحر أسوأ من طريقة زميله أو أنه حسن مهاراته لأنه اكتشف خطأ في منهجيته.
جلهم مجرد متحيلين يبيعون الوهم ويصيدون أموال الطيبين، وبقيتهم مرضى لا يعرفون شيئا عن المنهج العلمي.
أ. قابلية الدحض (Falsifiability)
لا يمكن أن نقبل بفكرة لا يمكن دحضها، لأننا وقتها سنضطر لتصديق أي عبث يُقال لنا.
مثلا لو زعم شخص ما أنه قادر على التواصل مع كائنات من عالم ألف ليلة وليلة فلن يمكننا إثبات صدقه من كذبه.
وأقل ما يقال عن مزاعمه أنها هراء لا يمكن الاعتماد عليه.
أغلب خزعبلات السحرة والوسطاء الروحانيين غير قابلة للدحض.
الأمر الذي يجعلها لا تستحق البحث في جديتها بالأساس.
فبعض السحرة يزعمون أنهم قادرون على فك سوء الطالع وإبعاد الحظ السيء.
وبعض الوسطاء الروحانيين يزعمون أنهم قادرون على التواصل مع حيواتك السابقة (فهم يؤمنون بتناسخ الأرواح).
ويخبرونك أنك كنت في حياتك السابقة أميرا أو محاربا شجاعا أو رجلا نبيلا.
كل هذه التراهات لا تخضع لمفهوم قابلية الدحض، وهم بالأساس مطالبون بتأكيدها.
وعلى المجتمع والناس أن يُحجموا عن سماع مثل هذه الخرافات لأنها لن تسير بهم في طريق النماء والتطور.
من السهل تأكيد أي نظرية تقريبا إذا بحثنا عن المؤيدات فقط
كارل بوبر – فيلسوف أسترالي.
7. حقيقة السحر : لماذا علينا أن لا نؤمن بالسحر؟
لا نستطيع أن نبني إنسانا سويا يعتقد أن مصيره قد يتغير بسبب عمل بعض السحرة أو يفسر ظواهر طبيعية بأسباب خارقة للطبيعة.
الناس الذين يؤمنون بالسحر والخرافات لا يستطيعون أن يقدموا للبشرية حلول حقيقية للتحديات التي تواجهها.
وهم غير قادرين على بناء تصور منطقي للعالم الذي يحيط بهم.
المؤمنون بالخرافات عامة، يعيشون في عالم بعيد كل البعد عن الواقع. فهذا يخشى أن يُسحر، وذاك يعتقد أنه مسحور بالفعل.
فنتج عن هذا المُعتقد تصرفات يندى لها الجبين.
في بعض البلدان الإسلامية، يتم تنظيم حملات لتنظيف المقابر والشواطئ من السحر.
والغباء هناك مزدوج.
فالذي وضع السحر، يظن أنه قادر على التأثير في الطبيعة بطقوس يقوم بها.
والذي يبحث عن السحر، يعتقد أنه ينقذ العالم من شر السحرة.
حقيقة السحر ضد العقلانية
حتى نكون عقلانيين، يجب أن نتخلص من كل الضجيج الذي يعكر صفو تفكيرنا. والتفسيرات غير الطبيعية واحدة من الطرق التي تجعلنا نفقد الثقة في كل شيء.
وصلنا لمرحلة من العبث والغباء تتجاوز بمراحل التصرفات اللاعقلانية المعتادة كالفضفضة للحيوانات، وسب الحواسيب، والتلويح بأرواق اللعب للحصول على ورقة جيدة.
الأمر ليس مجرد فكرة بسيطة نظن أنها حقيقية، بل عقيدة تجعلنا نخاف ونأمل وندفع أموالنا وننفق وقتنا الثمين فقط من أجل تحقيقها أو تجنبها.
للإيمان بالسحر مُتعلقات لا يمكنك التخلص منها. أنت في البداية مطالب أن لا تحتكم لقوانين التجربة العلمية.
فالتجربة قد تنجح بسبب تأثير أحد الجن، أو قد تفشل بسبب عمل أحد السحرة. وهنا نرفض بالكلية المنهج العلمي في البحث.
حقيقة السحر ضد العمل
ثانيا، الإيمان بالسحر يجعلك تفقد الإيمان بالاجتهاد في العمل.
ما هو الداعي للعمل إذا كان الساحر قادرا على إفساد عملك؟ ولماذا تطارد النجاح والساحر قادر على توفيره لك؟
عندما تصدق أن عالمنا الحقيقي ليس سوى خيالات وأن المحرك الحقيقي له يختفي وراء ستار من السحر والشعوذة والجن، لن تستطيع سوى اليأس من الاجتهاد والتفكير والعمل.
ثالثا، عندما تؤمن بأشياء غير مثبتة، فأنت تخطو خطوتك الأولى في اتجاه الدوغمائية (الإيمان دون اعتبار أي احتمال للشك).
ومن هنا تبدأ نظريات المؤامرة وقصص سيطرة اليهود على مجلس حكم العالم وخرافات الأرض المسطحة وخيرها من التفاهات.
أن تؤمن بالسحر، هو أن تعطي عقلك إجازة دون رجعة، لتكون منفتحا على كل الأفكار غثها وسمينها وأن تخسر حقك في النقد والتشكيك والمحاسبة.
لذلك عليك أن لا تؤمن بالسحر. وحتى إذا رأيت بأم عينك تصرفا خارقا للطبيعة، عليك أن تقارنه بأعمال السحرة في السيرك ولاعبي الخفة.
فالقوانين الفيزيائية اسمها قوانين لسبب.
حقيقة السحر : حوصلة
أنت في المستقبل نتيجة أفكارك وأفعالك اليوم.
ولا يمكن لأي ساحر أو دجال أن يؤثر فيك بطريقة ميتافيزيقية، لأن العالم الفيزيائي محكوم بقوانين صارمة لا يمكن اختراقها.
وكل شخص يزعم أنه يملك قدرات خرافية أو روحانية، هو أحد رجلين:
- جاهل ومهوس بأفكار لا يعرفها.
- متحيل يريد نيل المكانة الاجتماعية والمال على حسابك.
وفي الحالتين، عليك تجنبه. إنه يريد أن يملأ رأسك بأفكار لن تنفعك، وستهدر وقتك الذي هو أثمن ما تملك.
العالم الحقيقي اليوم، مليء بمعجزات حقيقية يمكنك دراستها وتعلمها. الذكاء الصناعي وهندسة الفضاء والبحوث الجينية وغيرها علوم حقيقية.
لم يحلم أي مشعوذ في الماضي بتحقيقها. ربما زعموا أنهم قادرون على الطيران أو السير على الماء.
لكنك اليوم تستطيع الطيران فعلا والغوص تحت الماء واكتشاف الفضاء وعلاج الأمراض بالأدوية المجربة والصحيحة.
فلا داعي للسكن في أعماق الجهل لوقت أكثر.
المصادر
- مقالة : Psychic Scams
- مقالة: جيمس راندي العجوز الذي سيغير حياتك
- مقالة: حقيقة السحر
- ورقات علمية: The evaluation of scholarship
- مقالة: مبروك عطية: الغباء أقوى من السحر
- ورقات علمية: The Problem of the Rationality of Magic
- كتاب: Witchcraft in the Middle Ages
* المقالات تحتوي على روابط للمادة الأصلية للتعرف لمزيد التفاصيل.