نحلم كلنا بـ زيادة التركيز وتحسين أدائنا، لإكمال مهامنا اليومية على أحسن حال. لكن عدم معرفتنا لأسباب تشتتنا، تجعلنا أقل قدرة على مواجهتها.
يُقال أن قبائل الإسكيمو تسمي الثلج عدة أسماء، حسب كثافته وسُمكه وحسب المخاطر والفرص الموجودة في كل نوع. في المقابل، يصعب على الناس الذين يسمون الثلج باسم واحد، أن يعرفوا التحديات أو إمكانيات الصيد الثمين التي يخفيها.
عندما تشعر أنك غير متحمس للقيام بأعمالك اليومية، تعتقد أنك مُشتت أو تعاني من نقص في الدوافع. لكن في الحقيقة ذلك الشعور هو نتيجة تخفي عدة أسباب قد تكون وراء نوبة الكسل.
في هذه الصفحات ستتعرف إلى ”أسماء الثلج والفرص والمخاطر التي ترتبط بها“!
وقت القراءة المتوقع: 10 دقائق.
المحتويات
1. الخوف
الخوف ضروري للبقاء على قيد الحياة، لكن الهلع والتردد يوقفان الحياة.
ببساطة الخوف هو تقييم لحالة ما تواجهها.
فإذا كان التقييم مبنيا على تفكير عقلي، سيصبح الخوف صديقا لك، ويساعدك على تفادي المخاطر، أما إذا كان مُجرد شعور مبني على الحدس والوهم، فسيصبح عائقا كبيرا أمام تطورك.
عند فهم العلاقة بين طبيعة التفكير ومشاعر الخوف، يمكنك أن تميز بين الخوف الإيجابي الذي يحميك فعلا من المخاطر، والخوف السلبي الذي يجعلك سجينا في منطقة الراحة.
الطريق نحو النجاح يمر بالضرورة عبر عدة مخاطرات مدروسة، لذلك عليك التفكير بعقلانية في مخاوفك ثم مواجهتها.
لتجاوز الخوف وتحرير عقلك من الأوهام، عليك كتابة مخاوفك. فالكثير من الناس لا يستطيعون حتى تسمية مخاوفهم، فما بالك بمواجهتها.
اسأل الأسئلة الصحيحة:
- لماذا أخاف من القيام بهذه الخطوة؟
- ما هو الخطر الأكبر في هذه الخطوة؟
- ماهي الفوائد المتوقعة من هذه الخطوة؟
- ماذا سيحدث إذا لم أقم بالخطوة؟
- هل تحتوي الخطوة على فرصة لن تتكرر؟
عند كتابة الأجوبة بطريقة عقلانية ودون مبالغة ستتوضح عندك الصورة أكثر. وبعد كل خطوة تقوم بها، ستتعلم كيف تجيب عن الأسئلة بموضوعية ودقة أكثر.
وتذكر دائما الحكمة التي تقول:
” الشجاعة فضيلة بين رذيلتين هما الجبن والتهور “
2. الأهداف أساسية لزيادة التركيز
في الكثير من الأحيان، يخسر الشباب كل رغبة في العمل والاجتهاد لأنهم يضعون الأهداف الخاطئة و/أو غير المناسبة. فتصبح الأهداف مجرد أحلام يقظة لا يمكن تحقيقها. وكل عمل على تنفيذها مجرد عبث. فهو يستنزف الوقت والقدرات الذهنية والجسدية دون تحقيق عائد يُذكر.
الأهداف لا يتم تحقيقها مباشرة أو في خطوات بسيطة، بل تكون على شكل هرم:
عند وضع الأهداف غير المناسبة تتحول الحياة إلى مجرد عبث لا طائل منه. ففي الكثير من الأحيان يضع الناس أهداف كُبرى ثم لا تتوافق أعمالهم اليومية مع تلك الأهداف، فيضيعون وسط زحام الأفكار والمشاغل دون أن يحققوا طموحاتهم.
يمكن أن تتحول الأهداف إلى مجرد أحلام يقظة، لكن الأصعب أن يكرس شخص ما كل حياته لتحقيق هدف لا يمكن تحقيقه.
بعد اختيار الأهداف المناسبة لك، عليك مواصلة تحسينها باستمرار، فالأهداف التي تضعها وأنت في سن العشرين، ستتغير وأنت في سن الثلاثين. كما أن الأهداف التي تضعها وأنت تدرس، ستتغير عندما تبدأ حياتك المهنية، الخ.
لذلك احرص على كتابة ومراجعة أهدافك حسب النموذج التالي:
3. لا تعرف ماذا تريد
عندما لا تكتب أو لا تتكلم عن أهدافك ومخططاتك بوعي ووضوح، تبقى مجرد أفكار تجول بخاطرك. لكن الأهم أنك عندما لا تبحث عن رغباتك ولا تفصح عن رؤيتك للعالم، ستبقى أسير أفكار لا تستطيع تطبيقها.
احرص على كتابة أفكارك في شكل رسومات أو اعمل على وصفها بجمل قصيرة وواضحة المعنى، حتى تعرف ماذا تريد. فقد يكون سبب انعزالك عن العالم وعدم رغبتك في العمل أو الدراسة، أنك لا تستطيع قبول الوضع الراهن، وتريد التحليق إلى وضع أفضل، لكن عدم فهمك لأهدافك وتصوراتك تجعلك عاجزا عن السير للأمام.
أنت بحاجة لأن تسأل نفسك:
- ماذا أريد؟
- كيف يمكنني الوصول لهدفي؟
- متى سأصل لهدفي؟
- هل فعلا أنا أريد أن أواصل السير في هذا الطريق؟
واحرص دوما على تكرار سؤال لماذا عدة مرات لمعرفة الدوافع الحقيقية وراء كل رغبة من رغباتك.
لفهم الغرض الحقيقي من الأعمال التي تقوم بها، عليك في البداية أن تسأل نفسك، كيف تبدو؟ وماهي الأشياء التي تقوم بها.
يمكنك استخدام نموذج فن (Venn Diagram) لبناء تصور أفضل عن نفسك عبر ملئه بكل دقة :
عندما تكتب كل الأشياء التي تحبها، والمهام التي يُدفع لك مقابلها، والمهارات التي تتمكن منها والنقاط التي تظن أن العالم يحتاجها، ستكتشف مهمتك في الحياة وشغفك والمهنة التي عليك اختيارها والواجبات التي عليك القيام بها.
عندما تعرف فعلا ماذا تريد، فقد تجاوزت نصف الطريق، وعليك الآن تحديد الأهداف والخطط التي تمكنك من الوصول إلى الشخص الذي طالما طمحت أن تكونه.
” نافس وستكون بطلا. نافس الأفضل وستكون بطلا عظيما. نافس نفسك، وستكون أعظم بطل“.
ماتشونا دليوايو – كاتب وفيلسوف كندي.
منافسة الآخرين تجعلك دائما طرفا في المقارنة، فلا تقارن نفسك بأحد.
” إذا نافست الآخرين قد تخسر، لكن إذا نافست نفسك فستنتصر دوما، لأنك تتحسن باستمرار“.
ديباسيش مريدا – طبيب وفيلسوف هندي
4. تعارض القيم
من الصعب أن تتفطن لوجود تعارض في القيم التي تؤمن بها، لكنك تستطيع تفكيك ومراجعة المبادئ التي تبني عليها حياتك لتحقيق أهدافك والخروج من دائرة الكسل والخمول.
إذا كنت تعمل في مجال، وتعتقد أن فيه تعارضا مع قيمك، فأنت ستخسر بكل تأكيد الكثير من الحماس والمردودية. ويكون الحل بيدك أنت فقط، إما عبر تغيير مجال عملك، أو التصالح مع القيم التي تؤمن بها، أو ربما حتى تغييرها.
احرص على تدوين القيم التي تؤمن بها كما يبينه هذا المخطط وتأكد أنه لا يوجد أي تضارب بينها:
عندما يحدث أي تضارب بين مجموعة القيم التي تؤمن بها، يُصبح العمل والإنتاج مهمة صعبة.
حيث تفقد الثقة في فائدة وجدوى ما تقوم به. والأهم أنك ستصبح غير قادر على التطور والخروج من منطقة الراحة.
فالتصرفات التي تقوم بها هي نتيجة نهائية لغابة من القيم والمعتقدات التي تؤمن بها:
للتعافي من مشكلة تضارب القيم، عليك أن تعود لأصول القيم ومراجعتها والتأكد من كونك لا تعاني من شعور بالذنب بسبب التقصير (تجاه الأسرة أو الدين أو الأصدقاء مثلا). ثم حاول أن تكون النسخة الأفضل من نفسك.
ستصل لحالة السلام الداخلي في المرحلة التي تكون فيها قد واجهت المشاكل التي طالما كنت تحاول الهرب منها. لذلك تأكد أن تكون متصالحا مع نفسك، وأن تتجنب القيام بالتصرفات التي قد تجعلك عدوا لنفسك.
” في كل سنواتي كطبيب نفساني سريري، -وهذا شيء يرعبني حقا- لم أرَ أي شخص يفلت من أي شيء“.
جوردن بيترسن – بروفيسور ومفكر كندي.
5. الالتزام ضروري لزيادة التركيز
ينجح الناس كلما زاد مقدار التزامهم بالقيام بالمهام المناطة بهم. ضعف الالتزام بالخطط التي تضعها ليس عيبا وراثيا أو حالة خاصة، بل هو نتيجة لعدة أسباب يمكن تجاوزها. لكن أهم ما يمنع الناس من مواصلة ممارسة الرياضة أو النهوض باكرا هو عدم الشعور بالاستقلالية.
عندما تعمل لصالح شخص آخر، فأنت تشعر أنك لن تحقق أي منفعة شخصية من المهام الرتيبة التي تقوم بها. لكن عندما تتكفل بمهام فيها هامش من الحرية، تصبح أكثر التزاما واهتماما بالعمل.
لذلك عليك التفكير مليا في سبب قيامك بالأعمال المنوطة بك، والفائدة التي ستحصل عليها عند قيامك بواجباتك على أحسن وجه.
الالتزام هو تقييد لحريتك لهدف ما. وستشعر دوما أنك الطرف الخاسر إذا لم تجد مكافأة تماثل قيمة الحرية التي تخليت عنها. لذلك احرص على موازنة الفوائد التي تحصل عليها مقابل كل عمل تقوم به حتى تستطيع أن تكون ملتزما أكثر.
ملاحظة: تنظيم الوقت ضروري، لكن الالتزام بجدول الأعمال الذي تضعه في حد ذاته قد يكون صعبا إذا لم تكن مستعدا للالتزام به.
لتطوير الالتزام الشخصي، تحتاج لبناء عدة مهارات متعلقة بمختلف الجوانب المهنية والشخصية التي تؤثر عليه. فالالتزام ليس مجرد صبر على المهام الشاقة، بل قدرة على التركيز لمدة أطول دون الشعور بالتعب والضجر.
6. غياب التحدي يمنعك من زيادة التركيز
عاش أسلافنا على هذا الكوكب صيادين وجامعين للثمار يوميا، يستيقظون في الصباح الباكر للبقاء على قيد الحياة. فما الذي يجعلنا اليوم مستعدين للعمل ونحن نملك كل ضروريات البقاء؟
عندما تشعر أن المهام التي تقوم بها يوميا غير مُحمسة، أو أن حياتك الرتيبة لم تعد ذات معنى، فلن تستطيع العمل بجد ودفع نفسك للخروج من السرير.
إذا كنت تشعر أن عملك لا يرتقي لمستوى تطلعاتك، فاحرص على القيام به بأسرع وقت ممكن للتفرغ لمشاريعك الشخصية. أما إذا كنت لا تستطيع توفير الوقت، فاحرص على تطوير مهاراتك لتغيير عملك في أول فرصة حقيقية.
لكن قبل أن تحاول البحث عن عمل آخر، فكر في إمكانية زيادة المهام المنوطة بك مقابل زيادة في الراتب، أو تطوير نوعية العمل الذي تقوم به، فمخاطرة تغيير العمل قد تكون تداعياتها أثقل من أن تتحملها.
احرص على أن تشعر بمتعة الإنجاز بعد القيام بكل مهمة من المهام التي تقوم بها يوميا حتى تتعود على الشعور بالنجاح، واستعادة طعم العمل. ثم فكر في الاستفادة من أوقات فراغك للبحث عن تحد يحفزك للانقضاض!
الأشخاص الذين يفقدون شغفهم بسبب غياب التحدي، هم أكثر الناس قدرة على الإنجاز والتميز. لكن الحلول على بساطتها قد تغيب عنهم:
- التركيز على الجودة.
- تعلم المزيد من المهارات الناعمة.
- التطوع لمساعدة الفريق.
- طلب رفع مستوى التحدي بعد النجاح.
- طلب المزيد من المسؤوليات.
أما إذا لم تنجح هذه الحلول، فيمكنك وقتها العمل على مشروعك الخاص (مدونة، كتابة كتاب، الاستثمار الخ) أو البحث عن عمل يرتقي لمستوى مهاراتك.
” أغلب الناس يصدؤون بسبب قلة التحدي، لكن قلة منهم فقط يصدؤون بسبب الإفراط في العمل“.
دينيس ويتلي – كاتب أمريكي.
7. الحزن يمنعك من زيادة التركيز
أكبر خطأ يقوم به المجتهدون، هو علاج الحزن بالتركيز على العمل. نحن في النهاية بشر، ومن حقنا أن نمنح لأنفسنا فترة كافية لتجاوز المشاعر السلبية التي تعترينا بسبب الأحداث العظام التي نواجهُها في بعض فترات حياتنا.
محاولة الهروب للأمام تنتهي في أغلب الأحيان بنتائج عكسية. فإذا كنت قد عانيت من صدمة أو خسارة أو تعيش فترة تغيير كبيرة، عليك أن تشعر بالحزن، وتجنب محاولة القفز للنهايات السعيدة فهي في الغالب غير موجودة.
اعط نفسك مساحة للتفكير والراحة واعتن بجسمك عبر ممارسة الرياضة والحصول على طعام جيد. لا تخجل من الكلام عن مشاكلك، بل يمكنك زيارة طبيب نفسي لإخباره بكل ما لا تستطيع قوله للناس المحيطين بك.
سينتهي الحزن في الوقت المناسب، وعندما تتخلص من كافة الأفكار التي قد تتحول إلى عقد نفسية في المستقبل. لذلك احرص على أن تحصل على عطلة حقيقية تُشفى فيها من آلام الماضي للسير قُدما نحو مستقبل أفضل.
8. الوحدة تمنعك من زيادة التركيز
الوحدة والشعور بالرفض هو أكبر مخاوف البشر. نحن اجتماعيون بطبعنا، ولسنا قادرين على العيش دون آخرين يضمنون لنا البقاء. حتى الانطوائيون وعشاق العزلة لا يستطيعون الحياة دون مجتمع يوفر لهم ضروريات العيش.
عندما تعمل وحيدا بعيدا عن الأهل أو الأصدقاء أو حتى الأشخاص الذين تشاركهم أفكارك، تخسر رغبتك في العمل والتطوير. لذلك احرص على أن تحيط نفسك بالأشخاص الطيبين الذين يجعلونك تبتسم من قلبك.
على مستوى مسيرتك، حاول أن توسع قائمة العلاقات المهنية. اسأل نفسك كم عندك من جهة اتصال احترافية على هاتفك. وكم مرة تتصل بالأشخاص الناجحين لتسألهم عن سر نجاحهم وفرص العمل معهم أو في فلكهم.
هل عندك أصدقاء يشاركونك نفس الاهتمامات؟ ومتى تواصلت معهم آخر مرة؟
كل هذه الأسئلة ستساعدك على فهم مقدار وحدتك (إذا كنت تعاني من الوحدة)، فهي سبب الشعور بالخمول والتقاعس عن إنجاز مشاريعك.
لقياس الفترة التي تقضيها في حالة انعزال عن العالم الخارجي، احرص على متابعة الوقت الذي تقضيه في:
- البيت.
- استعمال تطبيقات الهاتف.
- استعمال الحاسوب.
كما يمكنك مراجعة قائمة أرقام الهاتف التي تواصلت معها في الأسبوع الماضي والأماكن التي زرتها (باعتبار الذهاب لاقتناء البقالة أو المساحات التجارية).
إذا كنت تقضي معظم وقتك في البيت أو في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي فأنت فعلا تعاني من الوحدة وعليك:
حوصلة : زيادة التركيز
الشعور المتواصل بالتعب والإرهاق أو الهروب من المسؤوليات، ليس دليلا أنك كسول أو غير قادر على النجاح. كل ما عليك فعله هو تتبع الأسباب الكامنة وراء هذا الشعور للتعافي والبدء بعزيمة أكبر.
في بعض الأحيان تكون الأسباب مركبة (وجود أكثر من سبب للحالة)، لذلك عليك الحرص على أن تراقب بعناية تصرفاتك عبر كتابة أنشطتك اليومية وفهم الأنماط التي تتصرف بها خلال أيام العمل والإجازات.
وتذكر دائما:
” حتى إذا كنت تعبر الجحيم، واصل السير“.
وينستون تشرتشل – كاتب وسياسي إنجليزي.
المصادر
1. مقالة : How To Recover From 10 Types of Demotivation
2. مقالة : How to use emotions to drive people to take action
3. مقالة : Emotional Design Psychology & Colour
4. مقالة : A Goal Setting Model Without An Acronym!
5. مقالة : What would you look like as a Venn diagram?
6. مقالة : Personal beliefs, values, attitudes and behaviour
7. كتاب : Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us