مراجعة مقبرة الكتب المنسية لـ زافون ليست تلخيصا للرواية، بل مجموعة من الملاحظات والتفاصيل دون “حرق الأحداث” على من لم يقرأها، حيث تمثل هذه الرواية مبدئيا العمل الأدبي الذي التهم ما قبله ورفع سقف التوقعات على كل ما سيُكتب بعده.
وقت القراءة المتوقع: 5 دقائق.
يمكن تحميل الكتاب من موقع مكتبة PDF من هذا الرابط (حقوق الملكية الفكرية على مسؤولية الموقع الذي رفع الملف).
كما يمكن سماع الكتاب على منصة يوتيوب:
رواية ليست كغيرها
يتكون هذا العمل الأدبي من 4 أجزاء لكل جزء منها حبكة ونكهة خاصة:
- ظل الريح
- لعبة الملاك
- سجين السماء
- متاهة الأرواح
تصل الرواية إلى قمة عنفوانها في المجلد الأخير الذي يحتوي على أكثر من 1000 صفحة ليضع النقاط على حروف لم تكن جلية في الأجزاء الأولى.
لا يمكن مقارنة هذا النص بغيره من النصوص، لأنه استكشف أراض جديدة لم تخطر ببال بشر، ولا يمكن إلا أن تتربع على عرش الرواية الكلاسيكية.
هذه الرواية وإن كانت تتميز بغزارة المادة، فهذا لا يعني أنها لم تتفوق في قدرتها على التخييل في موضوع فريد.
قد تبدو الرواية محصورة في بعض الأماكن وفي فترات زمنية محددة، لكن هذا لم يمنعها من معانقة العالمية إذ تُرجمت لأكثر من 50 لغة وطبعت منها ملايين الطبعات في كل أرجاء المعمورة.
مراجعة مقبرة الكتب المنسية – سحر الكتابة
تتمكن منك الرواية عندما تجعلك تصدق أحداثها، وعندما تتسارع دقات قلبك مرة وتضحك أخرى، وعندما تشعر بالوجع دون أن تعرف السبب.
نثر زافون في روايته أسرار الكتابة وقيمة التقنيات للوصول إلى أفضل النتائج، لكن هذا لا يعني أنها مجرد توثيق لكيفية كتابة أفضل رواية في العالم!
من الصعب طرد روائح الرواية من عقلك بعد قراءتها، لكن الأصعب أن تتخيل حياتك دون قراءتها والتمتع بما نثره زافون بين صفحات الأحداث.
لم يهتم الروائي بزخرفة النص، بقدر ما عمل بجد على بناء الشخصيات ونقل “الحكاية” بكل أمانة.
تزور في الرواية، برشلونة أثناء حكم الديكتاتور فرانكو وتشعر بثقل الحرب الأهلية، ويضيق صدرك بأهوال قصف الطائرات الإيطالية لكنك تنضج فيها بها.
السرد في الرواية جبار، وطريقة القص والاهتمام بالتفاصيل لا يعنيان إلا أمرا واحدا: عقل زافون بحجم مقبرة الكتب المنسية فلا يُتصور أن بشريا بعقل عادي يستطيع أن يحيك كالعنكبوت تلك التحفة الفنية.
لا يمكن أن تُلخص الرواية، لأنها ستحتاج نفس عدد الصفحات التي كُتبت عليها لتلخيصها، وربما قد تحتاج أكثر من ذلك.
مراجعة مقبرة الكتب المنسية – الشخصيات
لا يوجد أبطال في الرواية، لكن توجد شخصيات بُنيت بعناية حتى وإن كانت هامشية.
شخصيات تعزف على أوتار القارئ وهو يبحث بلهفة عن الحقائق المختبئة في ذكرياتها.
هذه الأسماء قد لا تحمل أي معنى لكن بعد قراءة الرواية ستصبح كل المعنى:
- عائلة سيمبيري
- فيرمين روميرو دي توريس
- خوليان كاراكس
- دافيد مارتين
- بيدرو فيذال
هذه الأسماء أمثلة من مئات الشخصيات التي تعيش معها أياما أو أسابيع خلال قراءة الرواية ثم تعيش معك إلى الأبد بعد ذلك.
تظهر عظمة الراوي في تباين شخصياته واختلافها دون أن يظهر لك أي آثار للصنعة ودون أن يترك بصماته عليها.
تتكلم الشخصيات بأساليب مختلفة وتفكر بطرقة مختلفة وكلها عقلانية من جهة ما ومغرقة في الشخصية من جهة أخرى.
تلقي الشخصيات بظلالها على الأحداث دون تصنع، فلا تشعر أن الكاتب يرغمها على ذلك، بل تمشي طواعية لتقوم بكل ما عليها القيام به.
مراجعة مقبرة الكتب المنسية – التخييل
أكبر عدو لك في الرواية هو تخيلاتك الشخصية، لأن زافون يعرف كيف يتلاعب بك ويقودك لتصورات غير حقيقية ولم يرغمك على تبنيها.
ولما تخرج الحقيقة عارية وفجة وقبيحة، تكتشف أنه أوحى لك بما أردت أن تتخيله، وأنك الوحيد المُلام على التفكير بتلك الطريقة.
ولما تعتقد أنك رأيت وجه الحقيقة، تكتشف أن كل ما مر ليس سوى فرضية جديدة آمنت بها وشرعت تبحث عن ما يؤيدها.
بعد 2000 صفحة، ربما تكتفي من نبش التواريخ لتحل الأحجية الأولى، بينما تبقى بقية الأحجية مختبئة في قراءات ثانية وثالثة وربما عاشرة.
الرواية صعبة وتحتوي على الكثير من الشخصيات والأحداث والمفاهيم والمحفزات التي تدفع الشخصيات لتسريع الأحداث، لكن يمكن لكل الناس باختلاف أذواقهم وقدراتهم قراءتها والتمتع بما فيها.
قد يخفي الراوي بعض التفاصيل ويتجاوز التصريح للتلميح، حتى يعطي جوائز صغيرة لكل من يقرأ بانتباه، ويدرب القارئ على مراجعة خطواته بحذر.
تحية للمترجم
لا يمكن إلا أن نشكر المترجم معاوية عبد المجيد الذي قام بعمل رائع في ترجمته التي تؤكد علو كعبه في نقل هذا العمل الأدبي للعربية.
بالطبع كل عمل لغوي يتطلب الكثير من الجهد والتركيز والتدقيق، لكن ترجمة معاوية تتجاوز بمراحل السواد الأعظم من ترجمات الأعمال الأدبية وحتى الكتب للأسف.
لذلك لا يسعنا إلا أن نبارك عمله الجليل وأن نرجو عمله على ترجمات أخرى يزين بها مدونة الأدب العربي وثري بها قائمة ترجماته التي تجاوزت الـ 20 ترجمة إلى حد الآن.