النجاح حظ أم اجتهاد

النجاح مفهوم يختلف معناه باختلاف العصور والحضارات. لكنه هدف كل البشر، باختلاف ثقافاتهم ومشاربهم. ودائما ما يختلف الناس عن أسبابه. هل هو توفيق إلاهي أم نتيجة للاجتهاد والعمل الدؤوب؟ وهل تلعب الصدفة دورها في تحقيق النجاح؟ هل للموهبة والجينات البشرية أثر على نجاحنا؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في الأسطر التالية:

وقت القراءة المتوقع: 10 دقائق.

1. النجاح ليس فكرة ثابتة

لا يوجد تعريف واضح للنجاح، فالناس اليوم أو في الماضي لم يضعوا خطا فاصلا بين نجاح الإنسان والفشل.

لا يمكن أن تحقق هدفا في الحياة فتصبح شخصا ناجحا وتطرد عن نفسك صفة الفشل.

عند حصولك على شهادة الدكتوراه مثلا، تُصبح دكتورا، لكن لا يوجد شيء تقوم به فتصبح ناجحا.

أن تكون ناجحا هو فترة تمر بها بعد إنجاز معين، ثم تعود للحالة الطبيعية، فتتقلب حياة الناس بين ناجح وفاشل.

بالعودة لمثال الدكتوراه، فأنت عندما تحصل على الشهادة، ستصبح ناجحا لفترة ما، ثم ستبدأ رحلة البحث عن عمل، فتصبح رجلا فاشلا.

وعندما تحصل على عمل تصبح رجلا ناجحا لفترة ما ثم ستبدأ رحلة البحث عن إنجاز علمي، فتصبح رجلا فاشلا الخ.

دورة النجاح والفشل غير متناهية، وهي العجلة التي تجعلنا نتقدم في الحياة، لكن صفات الناجح والفاشل في حد ذاتها غير ثابتة.

أ. النجاح في العصور الوسطى

في أوروبا، خلال فترة العصور الوسطى، كان الفرق بين النجاح والفشل متربطا بمكان الولادة.

فإذا وُلدت في منزل أرستقراطي، ستصبح رجلا نبيلا وستملك الأراضي والثورة والاحترام وستنال ربما فرصة للتعلم والزواج.

أما إذا وُلدت في منزل أقنان (عمال أعلى من درجة العبيد) أو مزارعين فستبقى مزارعا وتنجب المزيد من المزارعين الذين يعملون في خدمة صاحب الأرض.

في ذلك الوقت، كان الاعتقاد السائد أن الحظ هو السبب الوحيد للنجاح لأن مكان ولادتك هو المحدد الأساسي لمصيرك.

لم تكن في تلك الفترة أي فرصة للتزاحم الاجتماعي أو التنقل بين الطبقات الاجتماعية لذلك كان الحظ وحده ما يمكن أن ينتظره المزارعون الأميون البسطاء.

لفهم المزيد عن موضوع التزاحم الاجتماعي يمكنك قراءة ملخص مهزلة العقل البشري لعلي الوردي.

ب. الفشل بعد انتشار التعليم

بعد الثورة الفرنسية، أصبح التعليم متاحا للجميع، وأصبح أبناء المزارعين وأبناء النبلاء يدرسون في نفس المدرسة ويحصلون على نفس الفرص.

كما نجح الكثير من المزارعين في العمل في المصانع وحتى بناء ثروات لم يكن أجدادهم يحلمون بها.

فأصبح النجاح مرتبطا بالاجتهاد، وبذلك اتهم الناس الأشخاص غير الناجحين بأنهم فاشلون وكسالى ولا يستحقون أي شفقة.

كما ارتبطت فكرة نجاح الإنسان بمقدار الثورة التي بناها، فكلما كان أغنى، كان أكثر نجاحا.

فالناجحون هم الذين استطاعوا الصبر على التعلم والاجتهاد في العمل ليعيشوا حياة كريمة.

ج. اليوم كلنا فاشلون

حسب الفهم المعاصر لفكرة النجاح، أصبح فقط المشاهير وكبار الأثرياء حول العالم ناجحين، أما البقية فمجموعة من الفاشلين.

امتلاك منزل وسيارة والسفر مرة أو مرتين في العام الواحد أصبحت أشياء عادية يملكها أغلب الفاشلين.

لذلك أصبح الناجحون هم الذين يملكون اليخوت والسيارات الرياضية والقصور المترفة وبدأ الناس يقسمون بعضهم لثلاثة أصناف:

  • ناجحون ولا يهم سبب نجاحهم.
  • فئة متوسطة تحلم أن تنجح وتخشى من الفقر.
  • فئة فقيرة هي سبب فقرها.

وبهذا أصبح أغلب الناس فاشلين لا وزن لهم ولا قيمة، باعتبار أن المادة هي المقياس الوحيد الذي نميز به الناجحين عن الفاشلين.

النجاح بين الحظ والاجتهاد

2. الاجتهاد طريق لا بد منه

تقول الأسطورة أن نيوتن كان يتنزه في حديقته، فشاهد تفاحة تسقط. فألهمه سقوط التفاحة “اختراع الجاذبية”.

هذه القصة الغبية التي تختصر قصة نجاح السير إسحاق نيوتن ليست سوى نتيجة لجهل مركب.

عمل نيوتن لأكثر من 20 عاما على تطوير الرياضيات وأنشأ من العدم علم التفاضل والتكامل حتى يستطيع معرفة سرعة سقوط الأجسام على الأرض.

الجاذبية كانت موجودة قبل نيوتن وبقيت موجودة بعده، لكنه كان الشخص الذي نجح في معرفة وقت وسرعة سقوط الأجسام وأثر الجاذبية عليها.

لم تكن الصدفة أو العبقرية أو الجينات سبب تفوق نيوتن بل كانت العمل الدؤوب حتى خلال فترة الحجر الصحي التي كان يعاني منها سكان أوروبا.

يبالغ الناس وبالبسطاء منهم خاصة بتعظيم أثر الحظ، ويختزلون قصص النجاح في الحظ فقط، ويهمل المجتهدون أثره على الناس.

أ. حظ لاعب كرة القدم

كثيرا ما يشكوا محبو رياضة كرة القدم أن أحد لاعبي الفريق الخصم قد سجلا هدفا بفضل الحظ المُطلق.

لكن ماهي نسبة أن يُسجل شخص ما هدفا في مباراة كرة قدم؟

  • في البداية عليه أن يتدرب منذ الصغر على هذه الرياضة، وأن ينجح في اختبارات القبول.
  • ثم عليه منافسة الأطفال للحصول على فرصة للعلب في نوادي الشبان.
  • ثم عليه أن يتدرب بشكل قاس يوميا ولعدة سنوات حتى يفتك مكانا ضمن أحد النوادي.
  • وفي النهاية عليه أن ينجح في اكتساب ثقة المدرب ليسمح له باللعب في التشكيلة الأساسية.

يعني أن وصوله للعب الكرة في المربع الأخضر لم يكون نتيجة للصدفة، بل كان نتيجة عمل شاق وربما واجهه الكثير من الحظ العاثر.

والمشاهدون لا يعرفون ما واجهه ذلك اللاعب للوصول إلى شاشات التلفاز، بل يعرفون فقط أن الهدف الذي سجله نتيجة صدفة ما.

ب. محاكاة النجاح

في هذا الفيديو تم اقتراح محاكاة لمسابقات بهدف اختيار رواد فضاء تجمع شخصيات وهمية لكل منها نسبة من المهارات العالية ونسبة من الحظ بين 0 و 100%.

المحاكات أثبتت أن الحظ مهم ومؤثر في اختيار رواد الفضاء المزعومين. وأن 9 من كل 10 ما كانوا ليصبحوا “رواد فضاء” في المحاكاة لو تم حذف أثر الحظ.

هذا يشبه أثر الحظ الذي ذكره علي الوردي في كتاب وعاظ السلاطين حيث تحتاج الزعامة للحظ أيضا.

اقرأ ملخص وعاظ السلاطين للمزيد من التفاصيل.

إذن فالنجاحون لا يعتمدون على مهاراتهم فقط، بل هناك نسبة من الحظ أيضا تدعمهم لتحقيق الإنجازات الأكثر روعة.

لكن مهما كنت محظوظا لن تستطيع تحقيق النجاح دون مهارات وكفاءة عالية.

ج. مفارقة النجاح The Paradox of Success

يمكن تلخيص مفارقة النجاح بالمقولة التالية: “كلما زاد وزنهم زادة قوة سقوطهم”.

كلما زاد نجاح البشر، إلا وزادت مغامرتهم وإقدامهم على المخاطرات لأنهم يثقون في أنفسهم أكثر ويبحثون عن تحد أقوى.

ولأن النجاح يتحول عندهم إلى إدمان، فإنهم لا يستطيعون التوقف عن محاولة تكرار التجربة لكن بتحديات وصعوبات أكبر لأن النجاحات القديمة أصبحت شيئا معهودا.

وفي النهاية ينتهي بهم المطاف إلى فشل مدوٍّ يفقدهم كل ثقة الناس بهم.

الناس يسعدون بالنجاح ويتعلمون من الفشل، لكن النجاحات المتكررة لا تعلم شيئا، فهل يُصبح الناجحون أقل معرفة؟

نعم، ببساطة لو نجحت في كل شيء تقوم به، فأنت على الأرجح على تعرف كيف تقوم بتلك الأشياء.

لكن إذا فشلت 100 مرة في القيام بمشروع ما، فأنت تعرف 100 شيء مختلف يسبب لفشل المشروع.

المهم أن لا تكرر نفس الأخطاء.

النجاح بين الحظ والاجتهاد

3. طريق النجاح

لا يمكن أن تنتظر نجاحا دون هدف، فالناجحون هم الذين وضعوا أهدافا لهم قبل كل شيء.

البعض يحاولون صعود جبل ما، أو الحصول على ترقية أو إيجاد عمل أو التفوق في الدراسة.

لذلك قد تكون ناجحا وفاشلا في نفس الوقت، نجحت في تحقيق أهداف ما، ومازلت فاشلا في تحقيق غيرها.

بعد أن وضعت أهدافا منطقية يمكن تحقيقها، عليك أن تتبع الخطوات التالية لتنجح:

أ. العمل بجد

للسير في طريق الناجحين، عليك أن تعمل بجد لساعات طويلة دون توقف ودون تذمر يوميا حتى تكتسب الخبرة اللازمة.

عدد ساعات العمل المتوقعة لتصبح خبيرا في مجال عملك هي 10 آلاف ساعة أي حوالي 5 سنوات من العمل 8 ساعات يوميا 260 يوم عمل في العام.

العمل بجد يعني تنظيم وقتك قدر الإمكان والالتزام بالعمل، لا مجرد التسكع بين المكاتب أو تسجيل الحضور.

لتحسين إدارتك للوقت زر مقالة إدارة الوقت.

ب. الالتزام

من الضروري عن العمل الالتزام بالخطط التي تضعها.

كلنا قادرون على القيام بوضع خطط طويلة المدى، لكن أقلية فقط قادرون على الالتزام بتلك الخطط وتحويلها لنتائج حقيقية.

إذا كنت تواجه صعوبة في الالتزام بأعمالك، زر مقالة زيادة التركيز : 8 أسباب تجعلك مشتتا، اكتشف كيف تتعافى منها.

عندما تتعافى من التشتت وتنظم وقتك، وقتها يمكنك ربح الكثير من الوقت والوصول للخبرة المطلوبة في وقت أقصر بكثير من الوقت العادي.

ج. الشغف أو الصبر

العمل ليس مهمة سهلة، والصبر عليه يكون إما لقدرتك الكبيرة على التحمل أو لحبك مجال عملك.

يزعم الكثيرون أن الشغف ضروري للنجاح، وهذا غير دقيق.

الشغف هو الذي يجعلك تنسى الألم وتصبر وتجالد مرور الدقائق والساعات.

لكن إذا كان مقدار التزامك عاليا، فأنت قادر على الصبر على العمل حتى وإن كنت غير محب له.

ملاحظة: أغلب القوى العاملة تعمل في مجالات لا تحبها، لكن حاجتهم للعمل هي السبب الوحيد الذي يجعلهم يستيقظون كل صباح.

النجاح بين الحظ والاجتهاد

4. ماذا عليك أن تفعل بعد أن النجاح ؟

أن تنجح ليس نهاية الطريق، بل على العكس من ذلك هو بداية لمرحلة جديدة يتحدياتها وصعوباتها.

فإذا لم تكن مستعدا للنجاح الذي طالما عملت من أجله ستعاني أكثر من أن تسعد.

أ. الاحتفال

نصر دون احتفال مناسب يفقد كل معانيه، لذلك عليك أن تحتفل.

بالتأكيد يختلف نوع الاحتفال حسب حجم النصر الذي حققته، لكن عليك في كل الأحوال أن تستمتع بتلك النجاحات الصغيرة.

إذا وجدت صعوبة في الاحتفال بأحد انتصاراتك، فإما أنك تعزل نجاحاتك عن أصدقائك أو أنك تحيط نفسك بزملاء عمل لا أصدقاء حقيقيين.

الأصدقاء الحقيقيون يحتفلون مباشرة بنصرك وسعادتك وتقدمك في الحياة، لكن الناس الذين يعشش في قلوبهم الحسد والغيرة لن يحتفلوا أبدا معك.

ب. قبول النجاح

هل تعتقد فعلا أنك مُستعد للنجاح؟

على الأغلب كل العمل المضني الذي تقوم به هو نوع من التدريب حتى تقبل نجاحك.

على الأقل 80% من البالغين يعانون من متلازمة المُحتال (المصدر).

يعني هم يشعرون أنهم لا يستحقون ما أنجزوه من نجاحات ومنصب مالي واجتماعي.

هم يتألمون في صمت، ولا يستطيعون أن يقولوا لأحد أنهم يشعرون أنهم فاشلون وغير قادرين على إعادة تحقيق نفس الإنجازات.

النجاح بين الحظ والاجتهاد

ج. التخطيط

بعد كل النجاحات التي تحققها ومهما كانت كبيرة، عليك أن تحتفل بها، وأن تقبلها، ثم أن تخطط لما بعدها.

خطط بناء على قدراتك دوما لا على قدر نجاحاتك.

لا تحاول أن تفرض على نفسك أن تتقدم بخطوات سريعة، فقط استمتع بالنجاحات الصغيرة المُخطط لها، وتجنب المخاطرات الكبيرة لتتجنب مفارقة النجاح.

إضافة

الناجحون ليسوا فئة من البشر، فأن تنجح ليس بداية الحياة أو نهاية العالم.

أنت تسير في طريق كلها نجاحات وعثرات ولن تكون ناجحا على الدوام أو فاشلا دائما.

لكن عندما تنجح تذكر أنك تعلمت الكثير من الأشياء بسبب هذا الفشل.

وعندما تنجح تذكر أن هناك نصيبا من الحظ في نجاحك على تؤدي واجب الشكر لأهله ولا تصبح من ضحايا مفارقة النجاح.