المغالطات المنطقية – يعتقد الناس أنهم قادرون على التفكير بكل حرية، لكنهم في الحقيقة لا يستطيعون التمييز بين أبسط المغالطات المنطقية. كما يستجيبون بكل سهولة للأسئلة الإيحائية (Leading Question). ثم يبنون عبر هذا التفكير المليء بالثغرات والتحديات تصورهم عن العالم.
في أغلب الأحيان، يجد الناس صعوبة في تخصيص بعض الوقت في جدول أعمالهم للتفكير. فما بالك بنقد طريقة تفكيرهم ومحاولة التفكير بعقلانية أكثر. لذلك، وحتى تُصبح شخصا أفضل، عليك أن تترك أنت بعض الوقت للتفكير، ولتعلم كيفية التفكير.
في هذا العدد تقترح عليك صحيفة المُستقبل أهم أخطاء التفكير والمغالطات المنطقية التي يقع فيها الناس منذ الأزل، والتي يمكنك من الآن معرفتها وتخطيها أو ربما الاستفادة منها.
وقت القراءة المتوقع: 15 دقيقة.
المحتويات:
- التنافر المعرفي (الثعلب والعنب)
- الأضواء والكاشفة
- الارتساء
- أثر الهالة
- الخلفية
- مغالطة مونت كارلو
- أثر التفاوت
- وهم التكرار
1. التنافر المعرفي (الثعلب والعنب)
مفهوم التنافر المعرفي واحد من أقوى أخطاء التفكير التي نتبناها دون أن نعرف ذلك. قصة الثعلب والعنب التي يرويها إيسوب هي أشهر مثال لهذا التنافر. القصة ببساطة:
- الثعلب يرى العنب ويريد الحصول عليه.
- الثعلب يحاول بكل جد القفز للوصول للعنب.
- الثعلب يستسلم ويقول “هذا العنب حامض”.
نفس هذا التنافر المعرفي ذكره نيتشه عند نقده للأخلاق. حيث قال أن الطيبين والصالحين ليسوا كذلك. بل لأنهم عجزوا عن بلوغ ملذاتهم، ادعوا أنهم يترفعون عن تلك الشهوات المادية.
التنافر المعرفي ببساطة هو الحالة التي تعتريك عندما يتعارض تفكيرك مع سلوكك:
- (+) الثعلب يريد العنب.
- (-) الثعلب لا يستطيع الوصول للعنب.
هذا التعارض تم إصلاحه عبر ادعاء أن الثعلب لا يريد العنب، فذهب التنافر وبقي الثعلب واثقا من نفسه وسعيدا وغير آسف عن الوقت التي قضاه في محاولة الحصول على العنب.
لهذا تجد المتعصبين للفرق الكروية كثيري الشكوى من ظلم الحكم لهم. ليس لأنهم لا يعرفون قواعد اللعبة. لكن لأنهم ضحايا لتفكير خاطئ.
من أشهر الأمثلة عن التنافر المعرفي سلوك بعض المدخنين.
عندما يحدث التنافر المعرفي، يختار الشخص تغيير:
- السلوك: لتبرير الفكرة.
- الفكرة: لتبرير السلوك.
عند إدراكك لوجود تنافر معرفي، عليك التحلي بالموضوعية في المواضع التي يكون فيها للموضوعية مكان. كما يمكنك الاستفادة من هذا التنافر. فالتجار يستعملون التنافر المعرفي لتشجيع عملائهم على اقتناء المزيد من المنتجات. مثال:
- أنت لست سمينا كثيرا، يمكنك أكل كل ما تريد.
- تملكين قواما جميلا، سيناسبك هذا الفستان.
- أنت لست كسولا، كل ما تحتاجه هذا التطبيق.
هذه ليست مجاملات، بل تعزيز للتنافر المعرفي عند العميل. قد يحسن علاقة العميل بالتاجر، لكنه بالتأكيد لا ينفع العميل.
2. الأضواء والكاشفة (Spotlight)
عندما تشعر أنك مركز الكون، وأن الناس ينظرون لك ويدققون في تصرفاتك، فهذا قد يكون لأنك على المسرح أو على وشك إلقاء خطبة مهمة، أو لأنك تعاني من أثر الأضواء الكاشفة (Spotlight effect).
يعتقد كل شخص أنه مركز الكون، لكنه ينسى أنه ليس مركز الكون بالنسبة للناس الآخرين. لذلك يميل الناس لتصور أن كل المحيطين بهم يلاحظون نوعية ثيابهم والتفاصيل الصغيرة في شعرهم والاعوجاج الطفيف في أسنانهم. لكن الحقيقة هي أن لا أحد يهتم.
حتى المقربون منك قد لا يلاحظون التغير الطفيف في لون شعرك وزيادة نسبة الشيب فيه. كل الناس يعتقدون أنهم مركز الكون. لكن لا أحد يهتم فعليا بمراكز الكون التي تحيط به من كل جانب، إلا إذا كانت هناك مصلحة عميقة تتطلب كل ذلك الاهتمام.
الأمر الصعب بخصوص تأثير الأضواء الكاشفة أن الناس يعتقدون أن المحيطين بهم ينظرون لهم حسب تصورهم الذاتي لأنفسهم. فإذا كان الشخص يظن أنه ظريف ويلقي دعابات مضحكة، فعلى الأغلب لن يُميز بين ضحكات المجاملة والضحك الحقيقي.
يسبب أثر الأضواء الكاشفة أيضا توترا إضافيا للناس الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي. حيث يعتقدون أن كل من يراهم يركز مع أدق تفاصيلهم وربما حتى مع حركة تنفسهم وطريقة مشيهم.
أثر الأضواء الكاشفة يتواصل عند الناس ليسبب لهم الشعور بأنهم مراقبون. هذه المشاعر الإضافية تسبب شعور الناس بالإحراج والخوف والقلق، وتتزايد المشاعر السلبية بزيادة الناس المحيطين بالشخص.
في الحقيقة لا أحد يراقبك، كل ما في الأمر أن عقلك يوهمك أن الناس يهتمون لشأنك.
3. الارتساء (Anchoring)
الارتساء نوع من أنواع الانحياز المعرفي. يمكن تشبيهه بالمرساة التي يلقيها البحارة لتثبيت القارب. حيث يقوم شخص ما بربط فكرة ما عندك بفكرة أخرى فلا تستطيع الفصل بينهما. فعندما يخبرك التاجر أن سعر التلفاز هو 599 دولارا، ستذكر أن سعر التلفاز هو 500 دولار ومبلغ إضافي، ولن تقول أن السعر هو 600 دولار.
قد يكون الارتساء طريقة سريعة للحصول على أجوبة تقريبية، لكنه يخفي الكثير من أساليب التلاعب والتحيل وأخطاء التفكير. فيمكن ربط الأشياء بقيمة غير حقيقية، ثم يتم إيهام المتلقي أن هناك فرصة خيالية للحصول على نفس القيمة لكن بمبلغ أقل. مثلا:
- يمكنك شراء الكتاب الورقي بـ 199 دولار.
- شراء النسخة PDF بـ 9 دولارات فقط.
فور إعطاء الكتاب قيمة عالية، أصبح شراء الكتاب بنسخة PDF فرصة رائعة. هذا الخطأ في التفكير مُستخدم بكثرة البراندات التجارية. فيكفي أن تضع شركة ما شعارها على منتج من المنتجات، حتى يصبح ذا قيمة عالية ورمزا من رموز الجودة.
مثال
هاتف آيفون مثلا ليس مصنوعا من شركة آبل بل هو تجميع لمكونات أكثر من 30 شركة حول العالم (بوش، سامسونج، كوالكوم الخ). لكن يعتقد الناس أن الآيفون أمريكي حتى وإن كان 98% منها مُجمعا في الصين.
التفطن لانحياز الارتساء ليس سهلا، خاصة أنه مرتبط بالتفكير السريع، وللتفطن له، تحتاج أن تفكر ببطء وتركيز. لذلك توجد العديد من الطرق للاستفادة من هذا انحياز، وخاصة في المفاوضات المباشرة التي لا يكون فيها وقت للضحية لإعادة التفكير.
عندما يراك التاجر مترددا في اقتناء منتج ما، يُخبرك أن الناس الناجحين الذين تعرفهم يشرون هذا المنتج بكثرة. فيرتبط عندك سلوك “الناجحين” بالشراء. هذه الطريقة وإن كانت عفوية عند التجار، إلا أنها ليست عفوية عند منتجي الإعلانات.
هل تساءلت يوما، لماذا على المشهور الذي يُمثل في الإشهارات أن يستعمل المنتج؟ أو أن يشرب منه إذا كان مشروبا أو أن يأكل منه إذا كان طعاما؟ إنهم يريد أن يرتبط المنتج بالمشهور، فإذا أردت أن تصبح مشهورا وناجحا مثله عليك أن تأكل ما يأكل ويشرب ما تشرب وتلبس ما يلبس الخ.
مثال:
من الأمثلة البسيطة على انحياز الارتساء أن الناس يعتقدون أن المعادلة (أ) أصغر من المعادلة (ب) رغم أنهما متساويتان:
- (أ) : 1 * 2 * 3 * 4 * 5
- (ب) : 5 * 4 * 3 * 2 * 1
يمكنك تجربة هذا السؤال على أصدقائك، وستكتشف كيف يمكن لهم القيام بأخطاء بديهية رغم مستواهم العلمي العالي.
4. أثر الهالة (Halo Effect)
تأثير أو أثر الهالة أثار قلق الكثير من الباحثين ومازال كذلك. فيكفي أن يعرف شخص ما صفة واحدة فيك، حتى تجعله يقوم بتقييم تقييما كاملا بناء على ذلك التفصيل البسيط الذي قد لا يكون له أي أثر في حياتك الحقيقية.
أثر الهالة هو التقدير الذي يمنحه لك الناس عندما تبدو بمظهر محترم وأنيق. وهو نفس الأثر الذي ينطبع عند الناس عندما يعرفون عليك سرا مُخلّا أو خطيئة سترتبط بك طول حياتك.
عندما طلب الباحث الأمريكي إدوارد لي ثورندايك من ضابطين تقييم مجموعة من الجنود، لاحظ أن تقييمات اللياقة البدنية والذكاء والمهارات القيادية كانت متقاربة جدا.
مثال
يعني، إذا أحب الضابط صفة في أحد الجنود، أعطاه تقييما عاليا في كل المجالات. وإذا كره فيه صفة واحدة، أعطاه تقييما سيئا في كل الصفات. وهذا يتكرر بنفس الطريقة في اجتماعات التوظيف. فإذا كره مسؤول الموارد البشرية طريقة لباسك أو قصة شعرك أو ربما حتى مشيتك، قد ينتهي بك المطاف ضمن أسوأ التقييمات.
أثر الهالة قد يكون إيجابيا وقد يكون سلبيا، ويتزايد بتزايد المؤمنين بالهالة التي تحيط بك. كما قال علي الوردي في ملخص كتاب وعاظ السلاطين “الزعيم يبدأ حياته ككل الناس ]…[ ولسبب ما يثير إعجاب الناس“.
تأثير الهالة لسبب ما يجعل الناس يعتقدون أن الأشخاص الأكثر جمالا هم أكثر ذكاء وطيبة وصدقا. وللأسف تؤثر هذه الهالة حتى في الأطفال الصغار في المدارس. يحصل الأطفال الأكثر وسامة على اهتمام أكبر بالمدرسين، فيصبحون “فعلا” أكثر ذكاء.
وبما أن الجميع يعاملون الفتاة الصغيرة الجميلة بلطف، فتصبح بدورها أكثر لطفا وعطاء وإقبالا على الحياة. في المقابل الشخص الذي يعاني من مظهر سيء يعامل بحذر، ويحاول الناس تجنبه ويُشعرونه بالريبة والخوف. فيصبح أكثر بؤسا وأقل ذكاء وأقل صدقا من غيره.
مثال:
عند المقارنة بين صفات شخصين (أ) و (ب) يميل الناس لاعتبار الشخص الأول أفضل من الشخص الثاني:
- (أ) : ذكي، مجتهد، متحمس، حاسم، عنيد، حسود.
- (ب) : حسود، عنيد، حاسم، متحمس، مجتهد، ذكي.
رغم أن الشخصين يتميزان بنفس الصفات، إلا أن ترتيب الصفات مُهم، فالصفتان الأولى والثانية تؤثران بشكل كبير على بقية الصفات. وكأن لسان حال المتلقي يقول:
- (أ) : ذكي ومجتهد ومتحمس وحاسم فلا بأس ببعض الصفات السلبية.
- (ب) : حسود وعنيد فلا ينفع معه أي صفات إيجابية.
رغم أن الصفات متكررة عند الشخصين ولا دليل على اختلاف بينهما.
5. المغالطات المنطقية : الخلفية (المحارب والمستكشف)
طرحت جوليا جالف مقارنة بين طريقة تفكير المحارب في المعركة، وطريقة تفكير المُستكشف الذي يرسم الخرائط ويبحث عن الموارد. المحارب في المعركة، لا يُفترض به أن يفكر ما إذا كان يحارب مع الحق أم مع الباطل. إنه يحارب مع بلاده أو جماعته ولا مجال للتراجع وقت المعركة.
أما المُستكشف فلا يُفترض به أن يرسم في خارطة بلاده خيرات غير موجودة أو موارد غير حقيقية. عليه أن يكون موضوعيا قدر الإمكان، وأن يحذر من تتبع أي سراب أو أفكار مضللة. وهذا تقريبا الفرق بين المتعصب وغيره من الناس.
المتعصب هو المحارب الذي حزم أسلحته ونزل لساحة الحرب. أما المستكشف فهو كل شخص غير متأثر بإيديولوجية تقوده لأفكار بعينها وتمنعه من رؤية الحقائق.
أ. المحارب
المحارب ليس مستعدا لمناقشة أسباب حربه. كما لا يستطيع المؤمن بخرافة الأرض المسطحة أن يقبل الأدلة العلمية والحقائق التي تنهمر عليه. هو يُكرس حياته ووقته للدفاع عن الفكرة التي يتعصب لها، ومُستعد لخسارة أصدقائه وأهله في سبيل الدفاع عنها.
ب. المستكشف
المُستكشف لا يهتم للانتماء أو لمشاعره الخاصة. هو يهتم فقط بالحقائق ومُستعد لإعادة رسم خريطته عشرات المرات، المهم هو أن يعود لأهله بخريطة صحيحة ودقيقة تحتوي على أهم الفرص والمخاطر التي قد تعترضهم.
عندما يختلف المحارب والمستكشف، يكون المستكشف مليئا بالشكوك وإن كان يملك معلومات أكثر، بينما يقف المحارب واثقا متأكدا من صحته.
”الذين يؤمنون دون دليل لا يمكن إقناعهم بالعقل“
جميس راندي – ساحر كندي أمريكي.
6. المغالطات المنطقية : مغالطة مونت كارلو (مغالطة المقامر)
عندما ترمي النرد وتحصل مرتين على الرقم 6 فأنت تظن أن الحصول مرة أخرى على الرقم 6 أمر صعب جدا. لكن في الحقيقة الحصول على الرقم 6 للمرة الثالثة، لا علاقة له بالحصول عليه في المرتين الأولى والثانية.
يعتقد المقامرون (وربما هذا سبب الخسارات المؤلمة التي يعانون منها) أن هناك نوعا من التوازن يجب أن يحصل عند التعامل مع الحظ. فعندما يحصل مثلا على ثلاثة أرقام صغيرة عند رمي النرد، يعتقد أن الرمية الرابعة ستأتي له برقم كبير. وكأنه يعتقد أن النرد يذكر الرميات السابقة، أو أن هناك قانونا خارقا للطبيعة يفرض على النرد أن لا يكون عشوائيا.
مغالطة مونت كارلو
قد تكون مغالطة مونت كارلو إيجابية أو سلبية. الجانب السلبي منها يجعل ضحاياها يعتقدون عدم حصول أمر ما لفترة طويلة يزيد في فرص حصوله. والجانب الإيجابي منها، يجعل ضحاياها يعتقدون أن حصول أمر ما بشكل مُكثف يزيد في فرص حصوله مرة أخرى.
في الحقيقة، الأحداث العشوائية (إن وُجدت) لا يمكن التنبؤ بنتيجتها، وقانون الاحتمالات في الرياضيات يؤكد هذا. لذلك إذا كانت المُدخلات كاملة عندنا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم شخص عقلاني ببناء تصوره على حدث عشوائي بالاعتماد على بيانات سابقة أو التنبؤ ببيانات لاحقة. وإذا تنبأ شخص عدة مرات بنتيجة حدث عشوائي فهو على الأرجح غشاش وليس نبيا أو قادرا على رؤية المستقبل.
تجمع محلات القمار مليارات الدولارات سنويا، فقط بفضل هذه المغالطة المنطقية. فلما يكتفي الناس بالإحساس والحدس دون الاعتماد على المقاربات الرياضية لعلم الإحصاء والاحتمالات، تتحول كل الأفكار لمجرد تخمينات. وبفضل الرياضيات يمكن أصلا تقييم التخمينات، ونسبة تحققها.
لهذا تملك محلات القمار حول العالم نماذج رياضية لتقييم اللاعبين وإقصاء الأشخاص الذين يتجاوزون مُعدل التخمينات المنطقي على عكس مغالطة مونت كارلو تماما.
مثال:
يعتقد الناس أن السلسلة (أ) من لعبة “صورة وكتابة” أكثر سهولة للتحقيق من السلسلة (ب):
- (أ) : صورة، صورة، صورة، صورة، صورة، صورة، كتابة.
- (ب) : صورة، كتابة، كتابة، صورة، صورة، صورة، كتابة.
لكن في الحقيقة، نسب تحقق السلسلتين متساويتان. والأهم أن نسبة تخمين المقامر لكل النتائج بشكل صحيح لا يتجاوز الـ 0.7% أي أنه إذا خمن نتائج كل السلسلة بشكل صحيح، فهذا يعني أنه يغش بنسبة 93%. ولمحل القمار الحق في منعه من اللعب مرة أخرى.
7. أثر التفاوت (Contrast Effect)
لا يستطيع الناس تقييم الأشياء دون مقارنتها بغيرها. وهذا أمر مربك جدا حتى لخبراء الاقتصاد. كشفت الأبحاث أن الناس مُستعدون للمشي لمدة 10 دقائق لتوفير 10 دولارات في ثمن وجبة بـ 30 دولارا. لكنهم لن يمشوا نفس المدة لتوفير 10 دولارات في ثمن سيارة بـ 50 ألف دولار.
الـ 10 دولارات ستبقى نفسها بنفس القيمة، لكن تقييمنا لذلك المبلغ المالي يتأثر بالتفوات في السعر الأصلي. فالـ 10 دولارات تمثل 30% من قيمة الوجبة، لكنها لا تمثل سوى 0.002% من قيمة السيارة.
هذا الأثر يجعلنا لا نهتم بالوقت القصير الذي نقضيه في الميترو أو عند انتظار شخص ما. فنحن نعتبر أن 20 دقيقة للذهاب إلى مكان العمل ليست مهمة، ولا نستطيع إنجاز أي شيء خلالها. لكن نفس الـ 20 دقيقة ستصبح بالغة الأهمية عندما تكون في وقت زحمة العمل أو عند إجراء امتحان مدته ساعة واحدة.
فائدة
الناس الأكثر إنجازا يستفيدون من أوقات الانتظار والسفر لأنهم يقيمون الوقت بمعيار الدقائق، لا عبر مقارنته ببقية فترات اليوم. أيضا الأشخاص الأكثر توفيرا، يقيمون المال بقيمته لا عبر مقارنته بأسعار المقتنيات.
يظهر أثر التفاوت عند تقييم الأناقة، فعندما ترتدي ملابس بقيمة 100 دولار ثم تعلم أن الطرف الذي يحاورك قد اقتنى ملابسه بـ 2000 دولار، فستشعر أن ملابسك غير أنيقة، رغم أن السعر لا يؤثر على الأناقة.
لكن إذا علمت أن الطرف الآخر يرتدي ملابس بـ 20 دولارا، فستعتقد أنك أكثر أناقة، فقط لأن ملابسك أغلى بـ 5 مرات من ملابسه.
التفاوت في الشراء
يظهر أثر التفاوت في الشراء أيضا.
فيكفي أن تلاحظ أن مُنتجين مختلفان بشكل واضح في السعر، حتى تظن أن المنتج الأغلى أفضل وأكثر فائدة. وهذا غير صحيح بالمرة، فنظام التسعير لا يرتبط بالقيمة بقدر ما يرتبط بطريقة الصناعة وسلاسل التوريد والمعاليم الجمركية الخ.
فالمنتج المصنوع يدويا أغلى من المنتج المصنوع بالآلات، ولا يعني هذا أن المنتج اليدي أفضل أو أجمل. وكلما كانت الدولة التي تم توريد المنتج منها أبعد إلا وكانت رسوم التوريد أعلى.
لذلك يعتقد الناس أن الأفوكادو مفيد للصحة، بينما يعتقدون أن الحمص أقل فائدة. لكن في الحقيقة، الحمص بديل رائع وأكثر فائدة من الأفوكادو. كل ما في الأمر أن التفاوت في السعر بين الأفوكادو والحمص يجعل الناس منبهرين بتلك الثمرة العجيبة.
أثر التفاوت يظهر أيضا عندما يقوم الناس بمقارنة أنفسهم بغيرهم. فعندما يبدأ شخص ما التدريب لمدة 20 دقيقة يوميا، ثم يلاحظ أن هناك من يتدرب لمدة ساعتين يوميا، يفقد الحماس، ويعتبر أن ما يقوم به دون أثر.
لذلك عليك الاهتمام بقيمة الأشياء لا مقارنتها بغيرها. وبذلك تتعافى من أثر التفاوت.
8. المغالطات المنطقية : وهم التكرار (Frequency Illusion)
عندما تتعلم كلمة جديد، تلاحظ أن الكثيرين يستخدمونها. وعندما تشتري سيارة جديدة، تلاحظ أن الكثيرين يقودون ذلك النوع من السيارات. هذا الوهم يجعلك تعتقد أن الناس يقلدونك أو ربما أن هناك موضة جديدة قد بدأتها. لكن في الحقيقة هذا الوهم سببه أنه كنت لا ترى ما لا تستطيع رؤيته.
إذا كنت لا تعرف معنى كلمة ما، عندما تسمعها أو تقرأها ربما لن تلاحظ وجودها أصلا. فعقلك يقوم باستيعاب الكلمات التي تعرفها فقط. وإذا تعلمت الكلمة ستصبح قادرا على ملاحظة تكررها وشيوعها بين الناس.
نفس الشيء ينطبق على الملابس، فإذا لبست أكسسوارا ما، ستلاحظ الناس الذين يرتدونه. وستصبح أكثر قدرة على تمييزه من غيره. هذا الوهم يحفز عقولنا بشكل كبير، لأن عقولنا في بحث دائم عن الأنماط ونقاط التشابه.
لهذا يعاني المهوسون بسبب هذا الوهم، فإذا اعتقدوا أن هناك من يراقبهم، أصبحوا قادرين على إيجاد نقاط تشابه في كل الأشخاص الذين يلتقونهم صدفة في الطرقات والمطاعم.
لست مركز الكون
يشعر الناس أنهم مركز الكون، ولا يستطيعون التمييز بين أنماط تكرر الأحداث حولهم. فلا يعني أنك إذا قرأت كتابا أو سمعت قطعة موسيقية أنك سبب قراءة غيرك للكتاب، أو سماعهم لنفس الموسيقى.
هذا الوهم سبب بعض الإشاعات التي مازال يصدقها الكثيرون اليوم. فمثلا يعتقد الناس أن الهواتف تتنصت عليهم. فإذا وجد إعلانا عن موضوع تكلم فيه بالأمس مع صديقه في المقهى، ربط بين الحدثين وتأكد أن بينهما علاقة وثيقة.
وهم الكرار ببساطة ملاحظتك للأشياء التي أنت واع بها. لكن في مستوى أعمق، نحن في الحقيقة لا نرى إلا ما نريد رؤيته أو ما تعلمنا رؤيته. فعقولنا تبحث عن الأنماط، ولكنها تعتبرها الملجأ الآمن لها. فما تراه أنت في طريق العمل، لا يراه شخص آخر نفس الطريق.
أنت قد ترى الأشجار والمكتبة في نهاية الزقاق، أما الشخص الآخر فيرى شكل الرصيف والباعة المبتسمين في الدكاكين وفرص الاستثمار في هذا الحي.
للأسف لا يمكن إيجاد حل حقيقي لوهم التكرار، فهو متجذر بعمق في أذهاننا، وكل ما علينا فعله للتخفيف من هذا الوهم هو توسيع معارفنا لمزيد فهم العالم بكل موضوعية، حتى نتحرر من القيود التي يضعها الجهل وقلة المعرفة على عقولنا.
المغالطات المنطقية : حوصلة
هذه مجموعة مختارة من المغالطات المنطقية والنفسية، وليست كل المغالطات. تم اختيار المغالطات الأكثر سهولة للفهم والأقل تطلبا لفهم أساسيات علم المنطق. لكنها بكل تأكيد ستكون مفيدة جدا لتجنب الانحيازات المعرفية.
يحمل كتاب المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري قائمة كبيرة من المغالطات، لكنها قد تحتاج مستوى متقدما لفهمها وتحليلها. لكننا اخترنا أخطاء التفكير الأكثر شيوعا لعلها تساعدك على تحييدها في المستقبل للتفكير بحرية أكبر، وتوسيع دائرة إدراكك.
لكن من الضروري أن نعرف متى نحذر الناس من المغالطات المنطقية التي يقعون فيها. فالحوارات الصغيرة في المقاهي أو في المناسبات الاجتماعية ليست مساحة مناسبة لتغيير أفكار الناس وتحسين طريقة تفكيرهم.
المصادر
- محادثة : Why you think you’re right even if you’re wrong
- كتاب : المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري
- ورقات علمية: The Role of Experience in the Gambler‘s Fallacy
- ورقات علمية: Why are we so illuded?
- ورقات علمية : The Impact of Halo Effects on Perceptions of Political Knowledge and Sophistication